هل الشمس هي التي تظهر النهار ام النهار هو الذي يظهر الشمس؟

أ. د. سامي الموسوي

الشمس هي النجم المركزي في نظامنا الشمسي ومصدر الضوء والحرارة الرئيسي لكوكب الأرض. ظهور النهار على الأرض مرتبط بوجود الشمس، حيث يحدث النهار عندما يكون جزء من الأرض مواجهًا للشمس وتسطع أشعتها عليه. تدور الأرض حول محورها، مما يجعل كل جزء من الأرض يمر بفترات من النهار حينما يكون معرضًا للشمس، وفترات من الليل حينما يكون في ظل الأرض بعيدًا عن الشمس. هذه الدورة الطبيعية هي التي تحدد أوقات النهار والليل على سطح الأرض. إذن، الشمس ليست مجرد مصدر للضوء والحرارة، بل هي أيضاً تحدد إيقاع حياتنا اليومية من خلال تعاقب الليل والنهار، مما يؤثر على العديد من جوانب الحياة البيولوجية والاجتماعية للكائنات الحية على الأرض. ذُكِرَ النهار في القران الكريم ٥٧ مرة بينما جاء ذكر الليل ٩٥ مرة، وجاء ذكرهما معا ٢٤ مرة أي بعدد ساعات اليوم السومرية وفي جميع المرات الذي ذكرا فيها مع بعض كان الليل هو الذي يسبق والنهار معطوف عليه بواو العطف.

جاء في الذكر الحكيم أن الليل والنهار مخلوقان كما هي الشمس والقمر كما في قوله تعالى:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٣٣ الأنبياء﴾،

وهذا يعني ان الليل والنهار كلاهما خلقا كما خلقت الشمس وكما خلق القمر بل وخُلِقَ الليل قبل خلق الوجود الموضوعي والدال والمدلول. وقد مر الوجود بعد الانفجار الكوني الكبير بمراحل طويلة جدا عبر عنها القران بليالٍ عشر من الظلام قبل خلق النور، قال تعالى:

وَٱلفَجرِ ﴿1﴾ وَلَيَالٍ عَشر﴿2﴾ وَٱلشَّفعِ وَٱلوَترِ ﴿3﴾ وَٱلَّيلِ إِذَا يَسرِ ﴿4 ﴾ هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴿٥ الفجر﴾

“وَٱلْفَجْرِ” : يمكن أن يُفَسَّر على أنه إشارة إلى بداية صيرورة الكون بعد ان كانت كينونته عند الله والذي يطلقون عليه “الانفجار الكبير” الذي يُعتَبر بداية صيرورة الوجود الموضوعي. هذا الانفجار تسبب في انتشار الفوتونات التي أدت إلى ظهور الضوء، ومن ثم نشأة الحياة.

والفجر مشتق من انفجر أي انبثق وجرى او تفجر وهو الذي قال فيه الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٠ الأنبياء﴾ – النداء موجه للذين كفروا فهم يمتلكون العلم المادي حيث ان (الفجر) يتناسب مع الفتق والرتق أكثر من مفهوم (الانفجار) اذ ان (الفجر) او الفتق عملية مسيطر عليها بانتظام أي (فجر) وليس انفجر، لأن انفجر معناه غير مسيطر عليه وفجر هو عملية مسيطر عليها ومنه اشتق مصطلح الفجر قبل انبثاق الصبح وهو عملية تدريجية لظهور النهار كما سنوضح ذلك في مقال خاص به. بعد ذلك جاء دور الماء في الحياة الذي فيه قال تعالى (الشفع والوتر) كما سنرى.

“وَلَيَالٍ عَشْرٍ” تُشير إلى الفترات المظلمة التي مر بها الكون بعد (الفجر) حيث كان الكون قبل خلق الضوء يمر بليل طويل وحالك على فترات عشرة طويلة قبل ان يخلق الله الفوتونات التي تشكل منها الضوء فالنهار.

تشكل الضوء لأول مرة بعد الانفجار الكبير خلال فترة تُعرف باسم “إعادة التركيب”، والتي حدثت حوالي 380000 سنة بعد الانفجار الكبير. في هذا الوقت، انخفضت درجة حرارة الكون إلى مستوى يمكن فيه للإلكترونات والبروتونات أن تتحد لتشكيل ذرات الهيدروجين المحايدة.

قبل هذه الفترة، كان الكون مليئًا بالبلازما الحارة والمتأينة، حيث كانت الإلكترونات والبروتونات منفصلة، مما جعل الفوتونات (جسيمات الضوء) تتشتت بشكل مستمر ولا تستطيع السفر لمسافات طويلة. هذا يعني أن الكون كان غير شفاف للضوء أي مر بفترات عشرة من الظلام والعتمة (ليال عشر).

عندما انخفضت درجة الحرارة إلى حوالي 3000 كلفن، أصبحت الظروف مناسبة للإلكترونات والبروتونات للاندماج وتكوين ذرات الهيدروجين. هذا الحدث جعل الكون شفافًا، حيث أصبح بإمكان الفوتونات وهي مصدر الضوء الاستقرار والسفر بحرية عبر الفضاء. هذه الفوتونات هي التي نراها اليوم كإشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic Microwave Background او (CMB)، وهو الإشعاع المتبقي من الانفجار الكبير والذي يمكننا رصده بواسطة التلسكوبات الراديوية.

وباختصار، تكون الضوء لأول مرة بعد الانفجار الكبير عندما انخفضت درجة حرارة الكون بما يكفي للسماح بتشكيل ذرات الهيدروجين المحايدة، مما أدى إلى جعل الكون شفافًا للضوء.

“وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ” قد تُفسَّر على أنها إشارة إلى الأزواج والأفراد.

في الكيمياء، يمكن أن نرى هذا في الماء (H₂O)، حيث تحتوي جزيئة الماء على ذرتين من الهيدروجين (الشفع) وذرة واحدة من الأكسجين (الوتر). كما وان الشفع موجود في ذرة الهيدروجين أي بروتون ونيوترون في داخل النواة ووتر وهو الكترون واحد يدور حول النواة واصبح هذا وحدة صيرورة الكون.

“وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ” تشير إلى الليل عندما يزول ويتحول إلى نهار، وهو تعبير عن دورة الزمن وانتقال الفترات الزمنية، علاوة على ما ذكرنا أعلاه من فترات عشرة مظلمة قبل خلق الضوء.

“هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ” تتساءل الآية هنا إن كانت هذه الأشياء المذكورة سابقاً تحمل قسماً أو دليلاً لصاحب العقل والبصيرة، أي انها تحتاج الى تفسير علمي دقيق.

إذًا، يمكن أن نرى كيف أن هذه الآيات تحمل معاني علمية وروحية عميقة تتعلق ببداية الكون ونشأة الحياة، بالإضافة إلى إشارات دينية تتعلق بأهمية بعض الأيام والأوقات في الإسلام. راجع كتابنا (معاني الغريب في الذكر الحكيم – الجزء الثاني) في الامزون ولولو.

إذا نظرنا الى سورة الشمس فسوف نجد ان الله سبحانه وتعالى بدئها بالقسم بالشمس ثم ضحاها ثم اقسم بالقمر واقسم بالنهار والليل والقسم الاخر كما في الآيات التاليات من سورة الشمس:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿٢﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿٣﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿٤﴾ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾.

نلاحظ ان الضمير (ها) في الآيات الاربعة الأولى من هذه السورة الكريمة يعود على الشمس بما في ذلك النهار إذا جلاها. وكلمة جلاها تعني اظهرها وكشفها أي ان النهار اظهر الشمس وكشفها ولا يعود على الظلام كما فُسِر من قبل بعض المفسرين.

كيف يكشف النهار الشمس ويظهرها؟

النهار هو الذي يظهر الشمس وليس العكس.

كيف اذن، يظهر النهار الشمس وضيائها أي (كيف يجلي النهار الشمس ويعكسها)؟

هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه من القران نفسه والمعطيات العلمية. وقبل كل شيء لابد ان نفهم ان الشمس هي عامل من عوامل اظهار النهار ولكن النهار خلق بمواصفات هي التي تجلي ظهور الشمس الذي اعتدناه ولولا هذه العوامل النهارية الموجودة في خلق النهار لأصبح قرص الشمس باهتا ابيضا يلفه الظلام ولأنعدم ضوء النهار كما اعتدناه ولأصبحنا أقرب الى الظلام منه الى النهار ولانعدمت الحياة التي نعرفها على الارض.

في الذكر الحكيم تقدم ذكر الليل على النهار لأن الليل هو السائد default في الكون واننا لو ارتفعنا بحدود ٢٠٠ كم فوق مستوى سطح الأرض فسوف يختفي النهار تماما ونحن في عز النهار ويكون الليل هو المهيمن على الوجود لأننا نصبح خارج الغلاف الجوي ففي الغلاف الجوي خلق الله النهار.

يحدث ذلك لأن النهار على الأرض يحدث نتيجة لانعكاسات وتشتت ضوء الشمس على ذرات الماء والغبار وباقي الجزيئات في جو الأرض. ولولا ذلك الانعكاس والتشتت الضوئي ما ظهرت الشمس كما نراها ولكانت مجرد قرص ابيض كالذي يبدو من على سطح القمر وهذا معنى كلمة (جلاها) أي ان النهار اظهر الشمس وكشفها وهنا الضمير يعود على الشمس. وجاءت كلمة (يجلي) أي يظهر ويكشف كما في الآية الكريمة:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴿١٨٧ الأعراف﴾.

وقد ذكر القران الكريم النهار بانه هو الذي يتجلى بضيائه وخصائصه التي فيه وليس فقط في الشمس وذلك بقوله تعالى:

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴿٢ الليل﴾.

أي النهار إذا تجلى على الأرض بخصائصه التي خلقها الله به ومنها انعكاسات وتشتت ضوء الشمس بواسطة جزيئات الماء والغبار الموجودة في طبقات جو الأرض السفلى. وعند عدم وجود التشتت الضوئي عن طريق الجزيئات في الجو فسوف لن تكون هناك سماء زرقاء بل سوداء وستظهر النجوم كنقط فقط وحتى البحار والمحيطات تظهر سوداء وحتى إشارات المرور الضوئية سوف لن تعمل لأننا نرى الضوء الأحمر والأزرق وباقي الطيف الضوئي بواسطة التشتت الضوئي فبدونه سيكون اللونين السائدين هما الأسود والأبيض.

الليل هو السائد في الكون

ما جاء في القران الكريم يؤكد على أن الليل هو السائد في صيرورة الكون. اما النهار فهو ما يحدث بسبب الانعكاس والتشتت او الاستطارة الضوئية في جو الأرض السفلي ولا يمثل سوى قشرة بسيطة تقدر ب ٢٠٠ كم من سطح الأرض كأنها سلخت سلخا، قال تعالى:

وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴿٣٧ يس﴾.

هناك صور ملونة بهذا الخصوص في كتابنا (الكون يحمل عناصر فنائه – الموجود في الامزون ولولو).

نحن إذا صعدنا الى أكثر من ٢٠٠ كم فوق سطح الأرض سنرى الشمس وقد غشاها الظلام تماما كما قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا.

تبدو الشمس من خارج جو الأرض كقرص ابيض يغشاها الليل من كل جانب.

وكلمة (جلاها) تعني كشفها واظهرها وتجلى الشيء أي تكشف شيئا فشيئا وهكذا يجلو النهار الشمس فيظهرها لنهار جميل.

تجلي الشمس بالنهار بالتدريج ولولاه لأصبح اللون اسود وابيض مثل ما ترى الشمس من فوق القمر الذي لا يوجد فيه جو الا شيء خفيف.

ان ما يعطي السماء لونها الأزرق المريح للعين هو جو الأرض الذي فيه الجزيئات والهواء فتتكون الاستطارة ويتولد النهار ولون السماء. حيث اننا لمجرد ان نرتفع الى طبقة Stratosphere نصبح في ظلام رغم ان الأرض تحتنا في منتصف النهار وما ان ننزل الى طبقات الجو السفلى حتى يتجلى النهار والشمس لنا كما في الصور التي اخذت لصاحب القفزة الأعلى من الفضاء Felix Baumgartner من منطاد على علو ٣٧ كم وسرعة ١٣٥٧ كم في الساعة نزولا (الصور في كتابنا المشار اليه أعلاه).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here