شبابنا والثقافة الحديثة ـ الأجتهاد

شبابنا والثقافة الحديثة ـ الأجتهاد، (*) د. رضا العطار

بستخدم علماء الشريعة الاسلامية لفظة (الاجتهاد) لمعنى آخر غير المعنى اللغوي الذي هو استفراغ الجهد في تحصيل امر من الامور، فالمجتهد في حدود الشريعة واصطلاح الاصوليين هو الذي يستنبط الاحكام بذهنه ومنطقه حين يجد ذاك التقيد بالقديم لا يعود بالمصلحة المنشودة للامة.

وما احرى بنا نحن بان نكون مجتهدين ايضا، فلا نقلد الادب او العلم او الحياة ذاتها وانما (نجتهد) في استنباط الاساليب المثلى للمعيشة. فنلبس ونأكل ونسكن كما تلهمنا عقولنا، كما يثبته لنا الاختبار والتجربة ان هذا الاسلوب او ذاك هو خير ما يضمن لنا الراحة والصحة والسلام والطمأنينة. فليس علينا ان نقلد آباءنا واسلافنا بلا رؤية ونعيش كما كانو يعيشون. نلبس ملا بسهم ونلزم اخلاقهم، نتبنى لنا ثقافة على طرائقهم، انما علينا ان نجتهد ونختار امثل الطرق التي تضمن لنا الفوز والراحة في هذه الدنيا فتسير حياتنا في تجدد مستمر ولا تركد ذلك الركود الاسن الذي يرمي الانسان في الامم الميتة.

والتجديد في الحياة يرمي الى وضع العقل فوق النقل، والى العناية بالحاضر اكثر من الماضي، والى رعاية الخلف القادم اكثر من السلف البائد، وهو دليل على ان الاحياء ينبضون قوة ونشاطا، يمرحون من حرية الحياة في ميدان فسيح، لا تحوطه الاسوار ولا تقيدهم الاغلال. وما احرانا بان (نجتهد) في الادب فنستنبط فيه الوسائل التي تلائم حياتنا الجديدة، نجعله صورة لهذه الحياة يعمل في تقدمها وبسطها والتوسع فيها غير قانعين منه بالتقليد ولزوم الطرق البالية.

ان العالم لم يتقدم الا عندما خرج العلماء من التقليد الى العقل. اي من التقليد الى الاجتهاد. فبعد ان كانت الجامعات تعاقب الطالب اذا اخطأ في شيء نص عليه ارسطوطاليس، صارت تكافئه اذا استطاع ان يقع على غلط لهذا المعلم الاول. ومما يروى بهذه المناسبة ان طالبا وجد نظر استاذه عند بدأ استعمال التلسكوب، ان على الشمس بقعا، فكتب اليه الاستاذ يقول: (لا يمكن ان يكون على الشمس بقع، كما قال ارسطو طاليس، وليس على الطالب الا ان ينظف نظارته. . . لكن الطالب كان قد اصر على رأيه. والان نعرف ان الطالب كان محقا واستاذه مخطأ.

وبمثل هذا الطالب تقدمت العلوم هذا الحد العظيم حتى بتنا نخشاها ونرى اننا لا نستطيع اللحاق بها، لان سرعة تقدمها تفوق حدود النظم الاجتماعية الراهنة التي مهما تطورت فانها دون التقدم العلمي وابطأ منه.

وبعبارة اخرى يجب ان نتجدد في اخلاقنا وادبنا وشرائعنا، وان ننزل هذه الاشياء كلها منزلة العلم الذي لم يتقدم الا بالخروج على السنن القديمة والقاليد العتيقة. وقد يخشى بعض الناس ان الافراط في ترك التقاليد يؤدي الى الفوضى ولكنهم ينسون ان الانسان بطبيعة الوسط الذي يعيش فيه محافظ يكره التبديل ويرى فيه ما يجهد ذهنه واعصابه، فاللغة التي يتكلم بها، هي لغة الوف السنين الماضية، وهي تطبعنا بالرغم منا بطابع السلف في عاداتنا وادياننا ومعظم احوال معيشتنا، وهي عادات الاباء التي لا نستطيع الخروج منها الا قليلا مهما اجتهدنا.

ولكن مع هذا القليل يتوقف تقدم الناس ورقيه وتفوقه .

* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للموسوعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here