كتابات عن السياسة والدين (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في موقع عرفان عن شخصية الرسول السياسية: تطييب القلوب: قد يضطر رئيسُ الدولة أن يتصرفَ تصرفاً يخرج فيه عن المألوف، أو يخالف به سنن القياس لمصلحة عليا يراها، حتى يُظن أنه منعَ الخيرَ عمن يظن بأن له حقاً في هذا الخير، وفي هذه الحالة لابد له من بيان وجه المصلحة في تصرفه هذا لمن تضرّروا من هذا التصرف، ولابد من تطييب قلوبهم، لأن كسب القلوب هو أثمن ما يحصلُ عليه رئيس الدولة، وقد كان رسولُ الله يفعلُ هذا ويحرص عليه، فإنه عليه الصلاة والسلام ما أن يلاحظ تذمُّراً أو عدم رضىً من شعبه لموقف من المواقف أو تصرف من التصرفات حتى يسرع لبيانه وتطييب قلوب الشعب. انظر تصرفه يوم دخل سعد بن عبادة في الجعرانة على رسول الله فقال: يا رسول الله إن هذا الحيّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك يريد أهل مكة وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكُ في هذا الحيّ من الأنصار منها شيئاً، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلاّ من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. فأتاهم رسول الله فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: “يا معشر الأنصار، ما قالةً بلغتني عنكم، وجدةً وجدتموها عليّ في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاّلاً فهداكُم اللهُ، وعالةً فأغناكُم اللهُ، وأعداءً فألّف بين قلوبكم؟. قالوا: بلى يا رسول الله، واللهُ ورسولُه أمنّ وأفضل. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بمإذا نجيبُك يا رسول الله، للهِ ولرسوله المنُّ والفضلُ. قال: أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتُم ولصدّقتم: أتيناك مكذّباً فصدَّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألّفتُ بها قوماً ليُسلموا، ووكلتُكُم إلى إسلامكم؟ ألا ترضونَ يا معشر الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاةِ والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لولا الهجرةُ لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك النّاس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحمِ الأنصارَ وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار”. وسمع الأنصارُ ما قال رسولُ الله، ورسموا -بسرعة البرق صورةً ذهنيةً لما قاله رسول الله “قومٌ يُشرون بالإيمان، يقابلُهم قومٌ يشرون بالجمال” و “قوم يصحبهم رسول الله يقابلهم قوم يصحبهم الشاةُ والبعير” وتوقظهم الصورةُ من إغماءةٍ فكرية كانوا فيها، ورسول الله ماثلٌ أمامهم، ويدركون أنهم وقعوا في خطأٍ ما كان لأمثالهم أن يقع فيه، فتنطلق حناجرهم بالبكاء ومآقيهم بالدموع ويصيحون: رضينا برسول الله قسماً وحظّاً. فهل رأيت سياسياً في الدنيا رقي في سياسته الشعوب المرقى الذي رقاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم.

عن موقع ضفة ثالثة الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب للكاتب نجيب مبارك: لم يعرف المغرب اكتساح السلفيين في أعقاب “الربيع العربي”، كما هو الحال في مصر مع حزب “النور” الذي نافس الإخوان المسلمين في انتخابات 2012 وحصل على نسبة 12 في المائة، أو في تونس حيث اقتحم السلفيون الساحة وذهب بعضهم إلى تخريب الأضرحة ونسف أنشطة ثقافية اعتبروها ماسّة بالدين والأخلاق. وإذا كان من الصعب قياس القوة الحقيقية للسلفيين المغاربة عددياً، فإنّ تحولهم إلى تنظيم سياسي غيرُ وارد، لأنهم “لا يتوفرون على إعلام، ولا يتحكمون في جمعيات خيرية من شأنها أن تمنحهم أصواتاً، ولكنهم بالأخصّ لا يتوفرون على وجوه معروفة ومشهورة إعلامياً”، حسب رأي محمد المصباحي، المختص في الحركة السلفية في المغرب. ويمكن القول، إجمالاً، إن السلفيين المغاربة يتوزعون بين ثلاثة اتجاهات عامة متفرعة عن السلفية، هي: السلفية التقليدية، السلفية الجهادية والسلفية التكفيرية. وقد قضى بعضهم فترة في السجن قبل أن يُفرج عنه بعد إعلانه مراجعة أو “توبة”، ومنهم من انخرط فعلياً في أحزاب سياسية وشارك في الانتخابات الأخيرة. لقد بدأت معالم “تحديث الإسلام” في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، واستمرّت في عهد الملك محمد السادس، في مسار ينطبع بالاتّساق ويتميّز بالجرأة. ومن الضروري القول إن هذا المشروع، وإن أضحى مقترناً بالسلطة في المغرب، فإن أصوله تعود إلى وجه من الوجوه العلمية والسياسية الكبرى في المغرب المعاصر، هو الزعيم الاستقلالي علال الفاسي، الذي لم يكن جهده العلمي يدخل في خانة “استحداث التقاليد”، ولكن يدخل في إطار عملية تبنّي الحداثة وتكييفها.

جاء في كتابات في الميزان عن الدين والسياسة للكاتب غفران الموسوي: في تعريف مختصر للسياسة: تعني كيفية إدارة شؤون الناس في جميع الأحوال. الآن سنبين بشكل مبسط العلاقة التي تجمع الدين بالسياسة، فالاخيرة لا تنفك عن الدين فهي من صميمه، وهنالك نصوص عدة وردت في الشريعة الإسلامية في القرآن والسنة المطهرة لبيان ذلك، وفي استقراء لبعضها نلحظ، منها ما جاء لتوضيح شروط السياسة، ووجوب إقامتها على اسس العدل والشورى واداء الأمانة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخرى وردت لتبين كيفية اختيار الحاكم، فترة حكمه، كيفية محاسبة تصرفاته، وغيرها مما لايفسح المجال ذكرها تفصيلا. ومما لا جرم في كون السياسة من صميم الدين هو تكليف الله تعالى لانبيائه، والتأريخ يشهد لسياسة الحاكم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ظل حكومته القائمة على أسس رعاية مصلحة البلاد والعباد وإدارة شؤونهم، فهو من شرع الدستور وأقام الصلح وقضى على الفساد والإلحاد وحكم بين الناس بالعدل وشق لهم طريقا مستقيما يضمن لهم النجاة، فكان قائد امة وحاكم دولة مع كونه نبيا ومبلغا للرسالة، والنتيجة تمكن من جمع شتات المجتمع وجعل من ناسه أمة قال فيها الله جل شأنه “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، فهل يا ترى كان الدين بمعزل عن سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خلال حكومته؟ وصايا الأئمة الأطهار عليهم السلام تولد لدينا الفكرة الواضحة عن مكان الدين في السياسة وفي كونهما جزء لا يتجزأ عن الآخر، فسياسة أمير المؤمنين عليه السلام أيضا كانت مستقاة من المفهومين القرآني والنبوي، وله عليه السلام أحاديث تبين ارتباط الدين بالسياسة، كقوله “ملاك السياسة العدل”، وآخر “رأس السياسة استعمال الرفق”، فالعدل قيمة سياسية وردت مرارا في كلام الله تعالى و وصاياه، وفي الوقوف لمعرفة أبعاد سياسة أمير المؤمنين في الحكم عليه السلام، كانت في عهده حكومة دينية متكاملة قائمة على أسس المنطلقات الأساسية الإسلامية الهادفة إلى تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبناء العلاقات وفق اطر العدل والمساواة والحرية. وهكذا هو منهج أهل البيت عليهم السلام وسياستهم في ظل حكوماتهم. وفي مقارنة بين السياسة الإسلامية السابقة، وبين السياسات العالمية المعاصرة، فهنالك بون (فرق) كبير بينهما، فالدين يدعو إلى سياسة الرحمة والعطف واللين والعدل والمساواة والتكافل الاجتماعي وصيانة حقوق الناس وحمايتها وحسن التعامل معهم ورعاية مصلحة البلد، وهو ما تعجز عنه الكثير من الحكومات المعاصرة، فالسياسات الحالية قائمة على أساس المصلحة الذاتية، وفلسفة الانتفاع الشخصي والمنهج الانتهازي ويرتكز عملها على تكميم الشعوب وكبت الحريات ومصادرة الحقوق واتباع جميع أساليب الظلم والقمع والإقصاء، وهو واقع نعيشه اليوم في ظل حكومات فاسدة وحكام لايراعون حرمة البشر. لذا فمن الضروري لنجاح اي سياسة أو حكومة دخول الدين فيها، فليس صحيحا ان تكون السياسة بمعزل عن الدين، أو القول بأنهما متقاطعان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here