شبابنا والثقافة الحديثة : الطبيعة تجود بجمالها ! (*) د. رضا العطار
من احسن ما قاله (ريتشارد لوجالين) في دعوة الناس الى الاستماع بالحياة :
ماذا كنا ندفع من اموالنا كي نرى القمر لو لم تكن الطبيعة قد عرضته لنا بالمجان ؟
والواقع ان الانسان ليسخو باكبر مقدار من امواله كي يرى هذا المنظر الطبيعي الرائع. القمر وهو يجور يتوسط السماء. وهو بازغ يتوهج من الشرق. وكي نعرف القمر على اكمله يجب ان نراه في الريف من الحقول المنبسطة التي يسكب عليها اشعته، بكسوها رداء السحر، حتى لنكاد نضن بساعة للنوم تحرمنا رؤيته. ونحس اننا نود لو نقضي الليل كله، وهو يغمرنا بسحره ونحن مأخوذون بروعته.
ولكن ليس القمر وحده هو الذي يمثل جمال الطبيعة، فإن الشفق البديع الذي ينبسط على الافاق وقت الغروب لا يقل جمالا عن القمر، والحقول التي تزدهي بخضرة النبات والوان الزهر بل وحتى الصحراء القاحلة تبعث في نفوسنا من الاحساسات الفنية ما يجب على كل انسان ان يستمتع بها، وان يسخو بالوقت والمال كي يحسه ويقتنيه اقتناء نفسيا يجعله ثريا بالحياة.
بجب ان نربط انفسنا بهذه الدنيا بل بهذا الكون كله، فلا نعيش حياتنا محصورين محددين في البيت او في محل شغلنا، بل يجب ان نخرج من وقت لاخر كي نزور المعالم الجميلة فنعرف مياهها وجبالها وريفها، يجب ان نرصد بعض ليالينا كي نتحدث الى القمر والنجوم، وكي نحس خلوة الصحراء في الظلام، ودبيب الصبح على رمالها، ونتسمع الى صمتها بروح ايماني. كما يستطيع المرء اذا كان فهيما حكيما ان يقتني هذه الدنيا اقتناء نفسيا لا يكلفه سوى التأمل والتعمق في هندسة هذه الدنيا وعطرها والوانها، نقعد على الشاطئ كي ننقل الى انفسنا احساس هذا الماء الجاري امامنا.
اننا والطبيعة التي تحيطنا وحدة لا تنفصم، فيجب ان نتعرف اليها ونتغلغل في تفاصيلها، ونستمتع بجمالها ونقتنيها اقتناء لا ينزع من نفوسنا، هو اقتناء التأمل والدرس.
* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للموسوعي سلامة موسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط