آيات قرآنية عن الموت (ح 5) (فتمنوا الموت ان كنتم صادقين)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

جاء في معاني القرآن الكريم: موت أنواع الموت بحسب أنواع الحياة: فالأول: ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات. نحو قوله تعالى: “يحيي الأرض بعد موتها” (الروم 19)، “وأحيينا به بلدة ميتا” (ق 11). الثاني: زوال القوة الحاسة. قال: “يا ليتني مت قبل هذا” (مريم 23)، “أئذا ما مت لسوف أخرج حيا” (مريم 66). الثالث: زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة. نحو: “أومن من كان ميتا فأحييناه” (الأنعام 122)، وإياه قصد بقوله: “إنك لا تسمع الموتى” (النمل 80). الرابع: الحزن المكدر للحياة، وإياه قصد بقوله: “ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت” (إبراهيم 17). الخامس: المنام، فقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيا. فقال: “هو الذي يتوفاكم بالليل”،والموتة: شبه الجنون، كأنه من موت العلم والعقل، ومنه: رجل موتان القلب، وامرأة موتانة.

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (البقرة 94) “قل” لهم “إن كانت لكم الدار الآخرة” أي الجنة “عند الله خالصة” خاصة “من دون الناس” كما زعمتم، “فتمنوا الموت إن كنتم صادقين” تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي إن صدقتم في زعمكم أنها لكم ومن كانت له يؤثرها والموصل إليها الموت فتمنوه.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” ﴿البقرة 94﴾ عاد سبحانه إلى الاحتجاج على اليهود بما فضح به أحبارهم وعلماءهم ودعاهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم فقال “قل” يا محمد لهم “إن كانت” الجنة “خالصة” لكم “دون الناس” كلهم أودون محمد وأصحابه كما ادعيتم بقولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وكنتم صادقين في قولكم نحن أبناء الله وأحباؤه وإن الله لا يعذبنا “فتمنوا الموت” لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة قطعا كان الموت أحب إليه من حياة الدنيا التي فيها أنواع المشاق والهموم والآلام والغموم ومن كان على يقين أنه إذا مات تخلص منها وفاز بالنعيم المقيم فإنه يؤثر الموت على الحياة أ لا ترى إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام وهو يطوف بين الصفين بصفين في غلالة لما قال له الحسن ابنه ما هذا زي الحرب يا بني إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه وقول عمار بن ياسر بصفين أيضا الآن ألاقي الأحبة محمدا وحزبه وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي فإنما نهي عن تمني الموت لأنه يدل على الجزع والمأمور به الصبر وتفويض الأمور إليه تعالى ولأنا لا نأمن وقوع التقصير فما أمرنا به ونرجو في البقاء التلافي. أخبر الله سبحانه عن هؤلاء الذين قيل لهم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين بأنهم لا يتمنون ذلك أبدا بما قدموه من المعاصي والقبائح وتكذيب الكتاب والرسول عن الحسن وأبي مسلم وقيل بما كتموا من صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن ابن جريج وأضاف ذلك إلى اليد وإن كانوا إنما فعلوا ذلك باللسان لأن العرب تقول هذا ما كسبت يداك وإن كان ذلك حصل باللسان والوجه فيه أن الغالب أن تحصل الجناية باليد فيضاف بذلك إليها ما يحصل بغيرها.

وعنصر اللجوء والرجوع اليه سبحانه هو نوع من انواع الصبر “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ” (المؤمنون 115). وعند البلاء تلاحظ درجة الصبر”الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” (الملك 2) وكيف ان الصابرين تنزل عليهم رحمة الله “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة 156-157) و ينزل عليهم النصر “قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” (البقرة 250). يقول الله جل وعلا في سورة القدر “مِن كُلِّ أَمرٍ” (القدر 4) اي امور عديدة منها الموت والحياة والمرض والبلاء وتطويل العمر والرزق ولله البداء فيما يشاء، وهذا يتطلب من العبد العمل والدعاء.

وعن كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: الموت والحياة: اعلم أنّ الكفر من جنود الشّيطان، وأعظم جندٍ في العالم الإنسانيّ والمحيط البشريّ، وضدّه الإيمان، وأمّا الحياة والممات فهما من جنود العقل، ولذلك لم يذكر في حديث سماعة بن مهران المشتمل على جنود العقل والجهل البالغ جندهما إلى أكثر من سبعين، لم يذكر فيه الموت من جنود الجهل، فالموت ليس شيئاً مذموماً ولا صفةً شيطانيّةً، ولأجل ذلك عدّ خلق الموت والحياة من صفاته تعالى، فقال: “وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ” (البقرة 28). فيا عزيزي وشقيقي ويا قرّة عيني وثمرة فؤادي: كيف تكفرون بالله؟ وكيف تكفرون بهذا الموجود العزيز الرّؤوف بالعباد، الذي يهتمّ بهداية البشر نهاية الاهتمام، بإرسال الرّسل وإنزال الكتب وتحمّل رسوله المصائب والبلايا، والمتصبّر في ذات الله سنين كثيرةٍ؟ فكيف تكفرون ولا تذعنون إذعاناً لا باللّسان والألفاظ، ولا بالعلم والعقل، بل بالقلب والرّوح؟ وكيف لا تؤمنون بهذا الإله الخلّاق القادر العالم الذي يقلّبكم مراراً من الموت إلى الحياة، ليصير وجودكم كاملاً حيّاً باقياً بالحياة الطّيّبة الأبديّة، وباقياً بالبقاء الشّامخ السّرمديّ، والّذي يراعي حياتكم بخلق هذه الأنظمة العالميّة والأكوان السّفليّة والعلويّة، والذي يخلق لكم ما تحتاجون إليه من بدوّ ظهوركم في الأصلاب إلى أن تنتقلوا إلى الأرحام، ثمّ إلى الدّنيا والبرزخ والعقبى، فهيّأ لكم تمام الأسباب، وسوّى لكم جميع الحوائج والشّرائط بأحسن النّظام وأسهل الأمر؟! فكيف ترضون بالكفر به وإنكاره وجحوده عبادةً وقولاً ونفساً وروحاً وقلباً؟ ولأيّة جهةٍ تختارون الباطل عليه، وتسيرون سيراً ضد الفطرة، وعلى خلاف الهداية والسّعادة. فعليكم بالتّدبّر والتّفكّر في ألطافه ومراحمه ورأفته ومحبّته، مع غاية استغنائه عنكم، وعن خلقكم وخلق ما في الأرض وما في السّماء، ونهاية بعده عمّا بين أيديكم من الأشياء الخطيرة والمحقّرة، فهل من العدل والإنصاف، أو من شرط التعقّل والإدراك، التغافل عنه والغفلة عن نعمه، بصرف النّظر إلى غيره، ولفت التوجّه إلى ندّه وضدّه؟ كلّا والقمر، حاشا والبشر. فيا أيّها العزيز والأخ في الله: قوموا عن نومتكم، واستيقظوا من غفلتكم، وتوجّهوا وأنيبوا إلى ربّكم، وأسلموا له ولا تكفروا كفراً ولا كفراناً، ولا تلدوا فاجراً ولا كفّاراً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here