أشياء من هذا القبيل : فرحة الانتصار في أرجاء أثينا *
بقلم مهدي قاسم
بعدما وقع الأثينيون على صك هزيمتهم غير المباشرة مع خصومهم الأسبرطيين اللدودين ، الذين كانوا لا زالوا يحتلون مناطق عديدة من أجزاء أثينا المحاذية لحدود أسبرطة ، مع بقايا دخان حرائق و ألسنة نار عالية شكلت ذيولا طويلة ومتصاعدة من سحابات سوداء تحت سماء المدينة ، حيث كانت لا زالت تعم أرجاء أثينا برمتها ، فضلا عن تناثر جثث هنا وهناك ، إضافة إلى غيرها المدفونة تحت الركام و الأنقاض ، مع مشاهد خراب ودمار لبيوت وقصور ومنازل مع بكاء أطفال مرعوبين و عويل نساء متفجعات ..
ولكن رغم ذلك ، أمر الحاكم العسكري لمدينة أثينا كورتيوس أراغوس **إقامة مظاهر أفراح و أتراح تعبيرا عن مشاعر الفرح بالانتصار ، فضجت المدينة بأصوات الأبواق الصدّاحة و الطبول المفرقعة و أصوات الطرب شبيهة بالبكاء و أنين الفجيعة ..
حتى استغرب الجنود الإسبرطيون المحتلون ونظروا إلى بعضهم بعضا باستغراب و دهشة ، ثم فجأة انفجروا بضحك هستيري ومتشنج طويل .. وهم يرفعون أصابعهم فيما بينهم ، بعلامة نصر مستهزئة ، مع صياح بنبرة ساخرة وحركات تمثيلية طريفة :
ــ نحن أبناء أثينا قد انتصرنا على الأسبرطيين !.. هههه .. فيا له من انتصار تاريخي عظيم ! .. يقولون انتصرنا .. هههه .. طيب إذا انتصرتم أيها الأثنيون الحبابون ، فلماذا نحن لا زلنا نحتل أراضيكم حتى هذه اللحظة ؟ .. و لماذا نحن الجنود الأسبارطة موجودون ههنا في بعض مناطقكم ؟..هههه .. تصور عجيب لمفهوم الانتصار عند هؤلاء القوم .. ههههه.. بالمناسبة وهم هكذا دوما .. و قد تعودّوا على طول تاريخهم على أن يتخيلوا أسوأ هزيمتهم على أساس إنها أعظم انتصار تاريخي لهم !.. ولكن .. لا بأس ، لا بأس .. فندعهم يفعلون ما يحلوا لهم ، ليخدعوا أنفسهم قدر ما يشاؤون ، إذا .. كان .. هذا .. سيشكل لهم شيئا من عزاء و سلوى .. قوم غريبوا الأطوار حقا ..هههه..
ولكن ما عدا جنديا إسبارطيا لم يكن ساخرا ولا متشمتا ، بقدر ما كان غاضبا ، فقد دمدم من بين أسنانه المطبقة غضبا :
ـــ على الأقل يا أهل أثينا احترموا هيبة الفجيعة لقتلاكم و أعداد ضحاياكم الكبيرة بدلا من أفراح مفتعلة لانتصار وهمي لا يوجد إلا في مخيلتكم المهزوزة اضطرابا وبلبلة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طبعا أحداث هذا النص و الأسماء الواردة فيه من نسيج خيالي أنا وليس له أي أساس تاريخي يذكر ..
“ما عدا اندلاع ما تسمى بالحرب الحرب القورنثية أو الحرب الكورنثية هي صراع في اليونان القديمة استمر من 395 ق.م إلى 387 ق.م، والذي وضع أسبرطة في مواجهة تحالف من أربع دول متحالفة هي ثيفا وأثينا وقورنثوس وآرغوس بدعم من الإمبراطورية الأخمينية” .