الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله عز وجل “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” ﴿النساء 18﴾ وليس قَبول التوبة للذين يُصِرُّون على ارتكاب المعاصي، ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت، فيقول أحدهم: إني تبت الآن، كما لا تُقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون، منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. أولئك المصرُّون على المعاصي إلى أن ماتوا، والجاحدون الذين يموتون وهم كفار، أعتدنا لهم عذابًا موجعًا.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ” أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (النساء 18) قال تعالى: “وليست التوبة”: التوبة المقبولة التي ينتفع بها صاحبها “للذين يعملون السيئات” أي المعاصي ويصرون عليها ويسوفون التوبة “حتى إذا حضر أحدهم الموت” أي أسباب الموت من معاينة ملك الموت وانقطع الرجاء عن الحياة وهو حال اليأس التي لا يعلمها أحد غير المحتضر “قال إني تبت الآن” أي فليس عند ذلك اليأس التوبة وأجمع أهل التأويل على أن هذه قد تناولت عصاة أهل الإسلام إلا ما روي عن الربيع أنه قال إنها في المنافقين وهذا لا يصح لأن المنافقين من جملة الكفار وقد بين الكفار بقوله “ولا الذين يموتون وهم كفار” ومعناه وليست التوبة أيضا للذين يموتون على الكفر ثم يندمون بعد الموت “أولئك أعتدنا” أي هيأنا “لهم عذابا أليما” أي موجعا. وإنما لم يقبل الله تعالى التوبة في حال اليأس واليأس من الحياة لأنه يكون العبد هناك ملجأ إلى فعل الحسنات وترك القبائح فيكون خارجا عن حد التكليف إذ لا يستحق على فعله المدح ولا الذم وإذا زال عنه التكليف لم تصح منه التوبة ولهذا لم يكن أهل الآخرة مكلفين ولا تقبل توبتهم ومن استدل بظاهر قوله تعالى: “أعتدنا لهم عذابا أليما” على وجوب العقاب لمن مات من مرتكبي الكبائر من المؤمنين قبل التوبة فالانفصال عن استدلاله أن يقال إن معنى إعداد العذاب لهم إنما هو خلق النار التي هي مصيرهم فالظاهر يقتضي استيجابهم لدخولها وليس في الآية أن الله يفعل بهم ما يستحقونه لا محالة ويحتمل أيضا أن يكون “أولئك” إشارة إلى الذين يموتون وهم كفار لأنه أقرب إليه من قوله “للذين يعملون السيئات” ويحتمل أيضا أن يكون التقدير أعتدنا لهم العذاب إن عاملناهم بالعدل ولم نشأ العوف عنهم وتكون الفائدة فيه إعلامهم ما يستحقونه من العقاب وأن لا يأمنوا من أن يفعل بهم ذلك فإن قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لا تتناول المشيئة فيه إلا المؤمنين من أهل الكبائر الذين يموتون قبل التوبة لأن المؤمن المطيع خارج عن هذه الجملة وكذلك التائب إذ لا خلاف في أن الله لا يعذب أهل الطاعات من المؤمنين ولا التائبين من المعصية والكافر خارج أيضا عن المشيئة لأخبار الله تعالى أنه لا يغفر الكفر فلم يبق تحت المشيئة إلا من مات مؤمنا موحدا وقد ارتكب كبيرة لم يتب منها. وقال الربيع: إن الآية منسوخة بقوله: “وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” (النساء 48) لأنه حكم من الله والنسخ جائز في الأحكام كما جاز في الأوامر والنواهي وإنما يمتنع النسخ في الأخبار بأن يقول كان كذا وكذا ثم يقول لم يكن أو يقول في المستقبل لا يكون كذا ثم يقول يكون كذا وهذا لا يصح لأن قوله “أعتدنا” وارد مورد الخبر فلا يجوز النسخ فيه كما لا يجوز في سائر الأخبار.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” ﴿النساء 18﴾ وهو إِشارة إِلى من لا تقبل توبته. وعلّة عدم قبول هذا النوع من التوبة واضحة، لأن الإِنسان عند الإِحتضار في رحاب الموت تنكشف له الأستار، فيرى ما لم يكن يراه من قبل، فهو يرى بعد انكشاف الغطاء عن عينيه بعض الحقائق المتعلقة بالعالم الآخر، ويشاهد بعينيه نتائج أعماله التي إِرتكبها في هذه الدنيا، وتتخذ القضايا التي كان يسمع بها صفة محسوسة، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يندم كل مجرم على جرمه وأفعاله السيئة، ويفرّ منها فرار الذي يرى إقتراب ألسنة اللهب من جسمه. ومن المسلم أن التكليف الإِلهي والإِختيار الرباني للبشر لا يقوم على أساس هذا النوع من المشاهدات والمكاشفات، بل يقوم على أساس الإِيمان بالغيب، والمشاهدة بعيني العقل والقلب. ولهذا نقرأ في الكتاب العزيز أنّ أبواب التوبة كانت تغلق في وجه بعض الأقوام العاصية عند ظهور طلائع العذاب الدنيوي والنقمة العاجلة، وللمثال نقرأ قول الله سبحانه عن فرعون إِذ يقول: “حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” (يونس 90-91). كما يستفاد من بعض الآيات القرآنية (مثل الآية 12 من سورة السجدة) إِنّ العصاة يندمون عندما يشاهدون العذاب الإِلهي في الآخرة، ولكن لات حين مندم، فلا فائدة لندمهم في ذلك الوقت، إِن هؤلاء أشبه ما يكونون بالمجرمين الذين إِذا شاهدوا أعواد المشنقة وأحسوا بالحبل على رقابهم ندموا على جرائمهم وأفعالهم القبيحة، فمن الواضح أنّ مثل هذه التوبة وهذا الندم لا يعد فضيلة، ولا مفخرة ولا تكاملا، ولهذا لا يكون أي تأثير. على أنّ هذه الآية لا تنافي الروايات التي نصت على إِمكان قبول التوبة حتى عند اللحظة الأخيرة من الحياة (2)، لأن المراد في هذه الروايات هي اللحظات التي لم تظهر فيها بعد ملامح الموت وآثاره وطلائعه، وبعبارة أُخرى لم تحصل لدى الشخص العين البرزخية التي يقف بها على حقائق العالم الآخر. هذا عن الطائفة الأُولى الذين لا تقبل توبتهم، وهم من يتوبون عندما تظهر أمام عيونهم ملامح الموت وتبدو عليهم آثاره. وأمّا الطائفة الثّانية الذين لا تقبل توبتهم فهم الذين يموتون كفاراً، إِذ يقول سبحانه: (ولا الذين يموتون وهم كفار). ولقد ذكر الله سبحانه بهذه الحقيقة في آيات أُخرى في القرآن الكريم.
ان على كل انسان يجب ان يفكر ماذا ستكون الذكرى عنه عند الناس بعد رحيله من هذه الدنيا بحيث يدعوا له خيرا مما يزيد ثوابه عند كل دعاء. وكما قال الشافعي في ابياته: ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕ ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞ ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣــﺪ ﻣـﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳـﺎﻡ ﺗـــﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕ ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕ. ويقول امير المؤمنين عليه السلام (خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ).
يقول الدكتور فاضل السامرائي: اللغة العربية لا تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الاستعمال القرآني. في القرآن كثيراً من الأمور خصصها بالجمع مثل الأعين والعيون، العيون عيون الماء والأعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية، واستخدام الموتى والأموات والميتون، الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد “إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (الزمر 30). كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الاستعمال القرآني. اللغة العربية قد تخصص مثلاً تخصص الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الأم، تستخدم خيلان جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الأم. الركاب والركبان، الركاب عامة للسفينة والخيل وغيرها. أما الركبان فللإبل فقط، هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الاستعمال. فالحُمُر للوحشية والحمير للأهلية المستأنسة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط