آيات قرآنية عن الموت (ح 9) (اذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا)

د. فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ” ﴿الأنعام 61﴾ “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ” معناه: والله المقتدر المستعلي على عباده، الذي هو فوقهم، لا بمعنى أنه في مكان مرتفع فوقهم، وفوق مكانهم، لأن ذلك من صفة الأجسام؟ والله تعالى منزه عن ذلك، ومثله في اللغة أمر فلان فوق أمر فلان، أي هو أعلى أمرا، وأنفذ حكما، ومثله قوله: “يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ” (الفتح 10): فالمراد به أنه أقوى وأقدر منهم، وأنه القاهر لهم، ويقال: هو فوقه في العلم أي: أعلم منه، وفوقه في الجود أي؟ أجود، فعبر عن تلك الزيادة بهذه العبارة للبيان عنها. “وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً” عطف على صلة الألف واللام في (القاهر) وتقديره: وهو الذي يقهر عباده، ويرسل عليكم حفظة أي: ملائكة يحفظون أعمالكم، يحصونها عليكم، ويكتبونها. وفي هذا لطف للعباد لينزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة من عند الله، يشهدون بها عليهم يوم القيامة “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ” أي: تقبض روحه. “رُسُلُنَا” يعني: أعوان ملك الموت، عن بن عباس، والحسن، وقتادة، قالوا. وإنما يقبضون الأرواح بأمره، ولذلك أضاف التوفي إليه في قوله: “قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ” (السجدة 11). وقال الزجاج يريد بالرسل: هؤلاء الحفظة، فيكون المعنى: يرسلهم للحفظ في الحياة، والتوفية عند مجيء الممات، وحتى هذه هي التي تقع بعدها الجملة. “وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ” أي: لا يضيعون، عن ابن عباس، والسدي. وقيل: لا يغفلون، ولا يتوانون، عن الزجاج. وقال معنى التفريط تقدمة العجز، فالمعنى أنهم لا يعجزون، ثم بين سبحانه أن هؤلاء الذين تتوفاهم رسله، يرجعون إليه.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ” ﴿الأنعام 61﴾ قوله تعالى: “وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ” قد تقدم الكلام فيه في تفسير الآية 17 من السورة. قوله تعالى: “وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً” إلخ، إطلاق إرسال الحفظة من غير تقييد لا في الإرسال ولا في الحفظة ثم جعله ملغيا بمجيء الموت لا يخلو عن دلالة على أن هؤلاء الحفظة المرسلين شأنهم حفظ الإنسان من كل بلية تتوجه إليه ومصيبة تتوخاه، وآفة تقصده فإن النشأة التي نحن فيها نشأة التفاعل والتزاحم، ما فيه من شيء إلا وهو مبتلى بمزاحمة غيره من شيء من جميع الجهات لأن كلا من أجزاء هذا العالم الطبيعي بصدد الاستكمال واستزادة سهمه من الوجود، ولا يزيد في شيء إلا وينقص بنسبته من غيره فالأشياء دائما في حال التنازع والتغلب، ومن أجزائه الإنسان الذي تركيب وجوده ألطف التراكيب الموجودة فيه وأدقها فيما نعلم فرقباؤه في الوجود أكثر وأعداؤه في الحياة أخطر فأرسل الله إليه من الملائكة حفظة تحفظه من طوارق الحدثان وعوادي البلايا والمصائب ولا يزالون يحفظونه من الهلاك حتى إذا جاء أجله خلوا بينه وبين البلية فأهلكته على ما في الروايات. وأما ما ذكره في قوله: “إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ” (الانفطار 12) فإنما يريد به الحفظة على الأعمال غير أن بعضهم أخذ الآيات مفسرة لهذه الآية، والآية وإن لم تأب هذا المعنى كل الإباء لكن قوله: “حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ” إلى آخر الآية، كما تقدم يؤيد المعنى الأول. وقوله: “تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ” الظاهر أن المراد من التفريط هو التساهل والتسامح في إنفاذ الأمر الإلهي بالتوفي فإن الله سبحانه وصف ملائكته بأنهم يفعلون ما يؤمرون، وذكر أن كل أمة رهن أجلهم فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فالملائكة المتصدون لأمر التوفي لا يقصرون عن الحد الواجب المحدود المكشوف لهم من موت فلان في الساعة الفلانية على الشرائط الكذائية فهم لا يسامحون في توفي من أمروا بتوفيه ولا مقدار ذرة فهم لا يفرطون. وهل هذه الرسل هم الرسل المذكورون أولا حتى تكون الحفظة هم الموكلين على التوفي؟ الآية ساكتة عن ذلك إلا ما فيها من إشعار ضعيف بالوحدة غير أن هؤلاء الرسل المأمورين بالتوفي كائنين من كانوا هم من أعوان ملك الموت لقوله تعالى: “قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ” (السجدة 11). ونسبة التوفي إلى هؤلاء الرسل ثم إلى ملك الموت في الآية المحكية آنفا ثم إلى الله سبحانه في قوله: “اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ” (الزمر 42) من قبيل التفنن في مراتب النسب فالله سبحانه ينتهي إليه كل أمر وهو المالك المتصرف على الإطلاق، ولملك الموت التوسل إلى ما يفعله من قبض الأرواح بأعوانه الذين هم أسباب الفعل ووسائله وأدواته كالخط الذي يخط القلم وورائه اليد ووراءهما الإنسان الكاتب.

عن أبي عبدالله عليه السلام قال (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا لَنَا نَكْرَهُ المَوْتَ فَقَالَ: لِأَنَّكُمْ عَمَرْتُمُ الدُّنْيَا وأَخْرَبْتُمُ الآخِرَةَ فَتَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنْ عُمْرَانٍ إِلَى خَرَابٍ). جاء في صفحة الاسئلة الشرعية لفتاوي السيد السيستاني عن ابو زهراء: ملك الموت المذكور في القرآن الكريم وهو الملك المقرب الذي وكل إليه قبض الأرواح (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) وقد لايعمل مفردا بل له أعوان من الملائكة خصصهم الله لهذا الغرض وهناك آيات كثيرة على عدم انحسار الأمر على ملك واحد بسم الله الرحمن الرحيم (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلاما عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وربما يكون لكل شخص ملك موت يقبض روحه.

جاء في موقع براثا عن مجلس حسيني – رأي القرآن بما يجري للميت للشيخ عبد الحافظ البغدادي: ما هي المؤثرات التي تسببّ العديلة؟ اولا: ترك الحج مع الاستطاعة يقول تعالى: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” (ال عمران 97) هل هم المسلمون فقط أم سائر الناس، وإن كان الخطاب للمسلمين فقط فلماذا لم يخاطبون بلفظ المسلمين؟ المراد هنا جميع الناس، كلهم واجب عليهم الحج لكن بشرط الإسلام، (مع الاستطاعة) ومن لم يعير اهمية مع الاستطاعة يصفه بالكفر (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). ثانيا: الحيف بالوصية: لو أوصى بالكلام أو بالإشارة دون أن يكتب فهل يجزي أم لا بدّ من الكتابة؟ يكفي في ثبوت الوصيّة (كلّ ما دلّ عليها) سواء من صريح أو غير صريح، أو إشارة، أو كتابة بخطّ يده،او مذيّلة بتوقيعه بحيث يراد منه تنفيذ العمل بعد موته. وتثبت الوصيّة بشهادة عدلين من الرجال أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين أو أربع نساء. وتثبت بما يفيد الاطمئنان بصدورها عن الموصي، كما لو كان هناك تسجيل بصوته – مع صورته أو بدونها بشرط أنّه خال من التزوير، اما اذا كانت مكتوبة بخطّ يده، وتحمل توقيعه ويطمئن أنها صادرة عنه، حتّى بدون شهود. وإذا اوصى بتاريخين مختلفين المتأخرة تبطل الاولى القديمة. ثالثا: عقوق الوالدين. تعريف عقوق الوالدين هو إغضاب الوالدين، وعدم برّهما والإحسان لهما، (ويشمل العقوق أيضاً التقصير في أداء حقوق الوالدين على الابن، والإساءة إليهما) وهو كلّ فعل أو قول يخرج من الأبناء يؤذي الوالدين إيذاءا بالغا وعرف البعض أنّ العقوق هو عدم طاعة الولد أبويه أو أحدهما، وعصيان أوامرهما، رابعا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (شَارِبُ الخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ وَشَارِبُ الخَمْرِ كَعَابِدِ اللات والعزى) وقالَ صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثةٌ حَرَّمَ الله عَلَيْهِمْ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ الخَمْرِ والعاقُّ والدَّيُوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أهْلِهِ الخبث). أما ابرز الأعمال التي تثبت الإيمان في قلب الإنسان وتفيده عند العديلة هو الدعاء، فقد ورد أن الإمام الحسين عليه السلام كان يداوم على ذكر الدعاء أثناء سجوده في صلاة الليل: “يا كائن قبل كل شيء ويا مكون كل شيء لا تفضحني فإنك بي عالم ولا تعذبني فإنك عليّ قادر، اللهم إني أعوذ بك من العديلة عند الموت ومن شر المرجع في القبور ومن الندامة يوم القيامة) وكذلك المواظبة على دعاء “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب” ثم المواظبة على تسبيحة الزهراء عليها السلام. والمحافظة على أوقات الصلوات.ودعاء الإمام الصادق عليه السلام: (رضيت بالله رباً وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا وبالقرآن كتابا،وبالكعبة قبلة وبعليّ إماما، وبالحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام.. أأمتي وموالي فارضني بهم وأرضهم بي إنك على كل شيء قدير). وهناك دعاء يسمى دعاء العديلة. في نهج البلاغة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here