د. ليث شبر
كنت قد حضرت قبل أيام ندوة عن السياسي المعارض د. تحسين المعله ( 1931_2005 ) وفيها استمعت إلى صديقه الدكتور أياد علاوي وهو يتحدث عن سيرته ومعارضته ومحاولات اغتياله ..وهنا نشأت فكرة هذا المقال ..
في المشهد السياسي عموما والعراقي خصوصا ، تتجلى المعارضة في شكلين رئيسيين: المعارضة التي تهدف إلى إسقاط النظام بكل الطرق سلمية كانت أو عنيفة . من الداخل أو بفعل خارجي ..
والمعارضة البناءة أو المسؤولة التي تسعى إلى إصلاح وتقويم النظام وأن التغيير يجب أن يكون سلميا ومن الداخل .
هذان المفهومان يعكسان طبيعة النظام السياسي القائم وظروفه، ويختلفان في أهدافهما وأساليبهما.
المعارضة التي تهدف إلى إسقاط النظام تنشط عادة في ظل الأنظمة الديكتاتورية، حيث يكون الحاكم مستبدًا ولا يسمح بأي شكل من أشكال المعارضة السلمية أو الإصلاحية. في هذه الحالة، ترى المعارضة أن النظام القائم غير قابل للإصلاح وأنه يجب إسقاطه بالكامل لتحقيق التغيير المنشود. تتسم هذه المعارضة بالتصعيد والمواجهة المباشرة مع النظام، وقد تلجأ إلى وسائل مختلفة مثل الاحتجاجات الشعبية، العصيان المدني، وحتى الكفاح المسلح في بعض الحالات. الهدف الأساسي لهذه المعارضة هو إنهاء حكم الديكتاتور وإقامة نظام جديد يقوم على مبادئ الديمقراطية والعدالة. وقد تتجلى الديكتاتورية بصيغ ديمقراطية من خلال احتكار السلطة من قبل الأقلية الفاسدة وهنا يتشضى الاستبداد ألى دائرة واسعة تشمل كثيرا من الاضطهاد والتعسف..
على الجانب الآخر، تنشط المعارضة التي تسعى إلى إصلاح وتقويم النظام في ظل الأنظمة الديمقراطية، حيث يكون هناك مساحة للحوار والنقد البناء. وفي هذه الحالة، ترى المعارضة أن النظام القائم يمكن إصلاحه من الداخل من خلال العمل على تحسين السياسات وتقديم البدائل والحلول. وتتسم هذه المعارضة بالعمل السلمي والمؤسساتي، حيث تسعى إلى تحقيق التغيير من خلال الانتخابات، والمشاركة في البرلمان، وتقديم المقترحات التشريعية. والهدف الأساسي لهذه المعارضة هو تحسين كفاءة النظام وتطوير أداء الحكومة وتحقيق مصالح الشعب دون اللجوء إلى إسقاط النظام.
في العراق، يمكن رؤية هذين الشكلين من المعارضة بوضوح. قبل وبعد سقوط النظام السابق في عام 2003، وعلى الرغم أن العراق شهد تحولًا نحو الديمقراطية، إلا إن آليات انتاج السلطة المحاصصاتية والتوافقية لم تسمح لظهور معارضة تسعى إلى الإصلاح والتقويم. عزز ذلك أن حكام اليوم هم كانوا المعارضة بالأمس لكنها المعارضة التي تسقط النظام وليست التي تقومه وتصلحه ..
ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة حقيقية لخلق معارضة بناءة على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه النظام الديمقراطي في العراق، مثل الفساد، وضعف المؤسسات، وانفلات السلاح والثقافة الإقصائية والتدخلات الخارجية. في ظل هذه الظروف، قد تنشط المعارضة التي تهدف إلى إسقاط النظام إذا شعرت بأن النظام القائم غير قادر على تحقيق التغيير المطلوب.
في النهاية، يمكن القول إن النظام الديمقراطي لا يمكن أن يكون حقيقيا من دون المعارضة التي تلعب دورًا حيويًا في تحقيق التوازن السياسي وضمان حقوق المواطنين. سواء كانت تهدف إلى تغيير جذري لسلطة النظام أو إصلاحه وتصحيح مساراته ، فإنها تعكس تطلعات الشعب ورغبته في تحقيق العدالة والحرية. يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق التغيير بطرق سلمية وبناءة تضمن استقرار البلاد ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط