آيات قرآنية عن الموت (ح 10) (غمرات الموت)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله عز من قائل “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ” ﴿الأنعام 93﴾ غمرات الموت: سكراته و شدائده. ومَن أشدُّ ظلمَّا ممَّن اختلق على الله تعالى قولا كذبًا، فادعى أنه لم يبعث رسولا من البشر، أو ادعى كذبًا أن الله أوحى إليه ولم يُوحِ إليه شيئًا، أو ادَّعى أنه قادر على أن يُنْزل مثل ما أنزل الله من القرآن؟ ولو أنك أبصرت أيها الرسول هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في أهوال الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ” (الأنعام 93) “ومن” أي لا أحد “أظلم ممن افترى على الله كذبا” بادعاء النبوة ولم ينبأ “أو قال أُوحي إليَّ ولم يوح إليه شيء” نزلت في مسيلمة، “ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله” وهم المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا، “ولو ترى” يا محمد “إذ الظالمون” المذكورون “في غمرات” سكرات “الموت والملائكةُ باسطوا أيديهم” إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا “أخرجوا أنفسكم” إلينا لنقبضها، “اليوم تجزون عذاب الهون” الهوان “بما كنتم تقولون على الله غير الحق” يدعون النبوة والإيحاء كذب “وكنتم عن آياته تستكبرون” تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز من قائل “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ” ﴿الأنعام 93﴾ “ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً “. وافتراء الكذب على اللَّه أن يختلق عليه تعالى أشياء لا مصدر لها من كتاب اللَّه، أو سنة نبيه، أو من العقل البديهي، ويكون ذلك بأمور: منها أن يحلل ما حرم اللَّه، أو يحرم ما أحل، ومنها أن يصف اللَّه متعمدا بما ليس فيه، أو يجعل له شركاء وأندادا، وبنين وبنات، ومنها أن يدعي النبوة وما هو بنبي، واليه أشار سبحانه بقوله: “أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ ولَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ” وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى: “افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ” وهي من باب عطف الخاص على العام، ومثلها قوله سبحانه: “ومَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ “. أي ان هذا اللعين يدعي القدرة على تأليف كتاب يضاهي القرآن في عظمته، وقيل: هو عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، وقال آخر: بل هو النضر بن الحارث. والخلاصة ان كل من نسب إلى اللَّه شيئا، دون أن يستند إلى قوله اللَّه والرسول، أو بديهة العقل فهو مفتر كذاب يستحق التوبيخ والعذاب. “ولَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ والْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ “. غمرات الموت سكراته وآلامه، واختلف المفسرون في المراد ببسط أيدي الملائكة: هل المراد به مدها حقيقة إلى الإنسان حين الاحتضار، أو هو لمجرد التمثيل والكناية عن أهوال الموت؟ ونحن لا نرى مبررا لهذا النزاع، لأن العقل لا ينفي وجود الملائكة، ولا أن يكون لهم أيد يبسطونها، وألسنة يتكلمون بها، وقد ورد الوحي بذلك فيجب التصديق. وهذا الأصل يعتمد عليه جميع علماء المسلمين في إثبات العقيدة والشريعة. “أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ “. هذا كله من كلام الملائكة يخاطبون به المفترين ساعة فراقهم لهذه الحياة، وهو تأنيب وتوبيخ على افترائهم وتنكرهم للحق. وفي الحديث: من مات فقد قامت قيامته. ومن هنا قال بعض العارفين: ان للإنسان قيامتين: صغرى، وهي الموت، وكبرى، وهي البعث. وتوبيخ الملائكة لمن افترى على اللَّه كذبا عند القيامة الصغرى إنذار له بما سيلاقيه من الأهوال في القيامة الكبرى. قال الإمام علي ( عليه السلام ): الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة، وفك قيود وأغلال إلى أفخر الثياب، وآنس المنازل، وهو للكافر كخلع ثياب فاخرة إلى أوسخها وأخشنها، ومن المنازل الأنيسة إلى أوحشها وأعظم العذاب.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ” ﴿الأنعام 93﴾ في الآيات السابقة مرّت الإشارة إلى مزاعم اليهود الذين أنكروا نزول أي كتاب سماوي على أحد، وفي هذه الآية يدور الكلام على اشخاص آخرين يقفون على الطرف المعاكس تماما لأولئك، فيزعمون كذبا أن الوحي ينزل عليهم. وتتناول الآية ثلاث جماعات من هؤلاء بالبحث، ففي البداية تقول: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً”. والجماعة الثّانية هم الذين يدعون النّبوة ونزول الوحي عليهم، فلا هم أنبياء، ولا نزل عليهم وحي: “أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ”. الجماعة الثّالثة هم الذين أنكروا نبوة نبي الإسلام صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، أو زعموا ساخرين أنّهم يستطيعون أنّ يأتوا بمثل آيات القرآن، وهم في ذلك كاذبون ولا قدرة لهم على ذلك: “وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ”. نعم، هؤلاء كلّهم ظالمون، بل أظلم الظالمين، لأنّهم يغلقون طريق الحق بوجه عباد الله ويضلونهم في متاهات الضلال حائرين، ويحاربون قادة الحق، فهم ضالون مضلون، فمن أظلم ممن يدعي لنفسه القيادة الإلهية وليست لديه صلاحية مثل هذا المقام. على الرغم من أنّ الآية تخصّ أدعياء النبوة والوحي، إلّا أنّ روحها تشمل كل من يدعي كذبا لنفسه مكانة ليس أهلا لها. ثمّ تبيّن العقاب الأليم الذي ينتظر أمثال هؤلاء فتقول: “وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ” أي لو أنك ـ أيّها النّبي ـ رأيت هؤلاء الظالمين وهم يمرون بشدائد الموت والنزع الأخير، وملائكة قبض الأرواح ما دين أيديهم نحوهم ويقولون لهم: هيا أخرجوا أرواحكم، لأدركت العذاب الذي ينزل بهم. عندئذ تخبرهم ملائكة العذاب بأنّهم سينالون اليوم عذابا مذلا لأمرين: الأوّل: إنّهم كذبوا على الله، والآخر، إنّهم لم ينصاعوا لآياته: “الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ”.

جاء في صحيفة الراية عن بلاغة القرآن: الفرق بين الموت والوفاة: في سورة الزمر يقول الله عز وجل:”اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر 42). الوفاة: يقولون وفّى ماله من الرجل أي استوفاه كاملاً غير منقوص أي قبضه وأخذه فلما يقال توفي فلان كأنه قُبِضت روحه كاملة غير منقوصة. والموت هو مفارقة الحياة وليس فيها معنى القبض ولذلك يستعمل لفظ الموت أحياناً استعمالاً مجازياً يقال ماتت الريح أي سكنت وهمدت والذي ينام مستغرقاً يقال له مات فلان إذا نام نوماً عميقاً مستغرقاً. هذا السكون للموت فكأن هذا الشيء الذي يفارق جسد الإنسان بالمفارقة موت والذي توفّي تقبضه ملائكة الموت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here