د. ليث شبر
غالبا ما أكرر في مقالاتي ولقاءاتي ومنشوراتي بأن مشكلتنا في العراق هي مشكلة ثقافية .. وتتجلى هذه الأزمة في مجتمعنا العراقي في جميع جوانب الحياة، حيث نعاني من فشل وفساد وانحدار في مختلف المجالات.
إننا عندما نتحدث عن الثقافة، فإننا لا نشير فقط إلى مقدار الكتب المقروءة أو الدرجة العلمية أو الشهادة الجامعية، على الرغم من أن لهذه الأمور تأثيرها. بل نقصد الثقافة بمفهومها الأوسع الذي يتضمن العقل المثقف الذي يتناول جميع شؤون الحياة بثقافة عالية ثم يتحول إلى عقل مجتمعي .
إن العقل المجتمعي المثقف له تأثير إيجابي كبير في الشؤون السياسية والاقتصادية والإنسانية والتشريعية، ويتعدى ذلك إلى الجانب الإداري أيضًا. ففي الشأن السياسي، يسهم العقل المثقف في تكوين رأي عام واعٍ يسعى لتحقيق الديمقراطية والعدالة، ويساعد على تنمية روح الحوار والتفاهم بين مختلف الأطياف السياسية. وفي الاقتصاد، يكون العقل المثقف محفزًا للإبداع والابتكار، ويدفع نحو تبني سياسات اقتصادية قائمة على العدالة والتنمية المستدامة.
من الناحية الإنسانية، يسهم العقل المثقف في تعزيز القيم الإنسانية العليا مثل التسامح والاحترام المتبادل والتعاون. ومثل ذلك في الجانب التشريعي، حيث يلعب دورًا محوريًا في صياغة قوانين تعزز العدالة الاجتماعية وتحمي حقوق الإنسان. أما في الإدارة، فإن العقل المثقف يسهم في تحسين الأداء الإداري وتعزيز الشفافية والمساءلة.
إن المجتمعات المثقفة عندما تختلف، فإنها تحول اختلافها إلى تكامل وتواصل . وهي ترى الاختلاف فرصة لتعزيز التنوع والابتكار، وتستخدم الحوار البناء كوسيلة لتحقيق توافق وحلول مشتركة.
بينما في المجتمعات المتخلفة، يتحول كل رأي مخالف إلى معركة واتهامات وفرقة وتشتت بل يتغلل حتى في العائلة الواحدة مما يسبب انقساما مجتمعيا هائلا كما هو حاصل اليوم.
إن هذا البون والفارق في المستوى الثقافي هو الذي يحدد تشكيل مسار الأمة ومستقبلها. وبالطبع سيكون مظلما إن فقد المجتمع عقله الثقافي وسيكون مزدهرا إن حدث العكس مما يعكس قيمة الثقافة المجتمعية في تحديد هويتها ..
يجب أن ندرك أن الأزمة الثقافية في مجتمعنا ليست مجرد أزمة كتب أو شهادات، بل هي أزمة وعي وعقلية. علينا أن نعمل جميعًا على تعزيز العقل المجتمعي المثقف الذي ينظر إلى الأمور بعمق وتحليل، ويستخدم المعرفة لتحقيق التقدم والتغيير الإيجابي. فقط من خلال هذا العقل المثقف يمكننا أن نبني مجتمعًا متماسكًا يحقق التنمية والاستقرار والعدالة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط