الخصومة بشرف والخصومة بلا شرف

فارس حامد عبد الكريم

لاتخلو حياة اي فرد وكذلك الدول من الأعداء لاسباب شتى ومنها تعارض المصالح او المنافسة سواء كانت شريفة او غير شريفة …
فالمثقف عدوه الجاهل والنزيه عدوه الفاسد والكريم عدوه البخيل والمرزوق عدوه الحاسد والمظلوم عدوه الظالم والمحبوب عدوه المكروه والناجح عدوة الفاشل والضعيف عدوه القوي والجبان عدوه الشجاع وهذه الأسباب قد تكون لها بداية ولا تبدو لها نهاية فالنزاع سنة كونية هذبتها الاخلاق والقيم النبيلة والشرائع السماوية حتى اهتدى البشر الى جملة من القيم الخلقية والدينية شكلت في مجموعها ما يعرف ب (مبادئ شرف الخصومة) …
إلا ان اخطر الخصوم او الأعداء واشدهم فتكاً بالأفراد والمجتمعات هم الاعداء المستترين، ذلك ان من نكد الحياة على المرء ان يكون في حياته خصوم ألداء مستترين يرتدون قناع الود.
ومن سوء طالع الدول ان يكون لها جيران ما برحوا يكيدون لها المكائد والدسائس
ولا يسعدهم ان يروا في جارتهم ازدهاراً ..
ولايخلوا التاريخ السياسي من خصومات ودسائس ابطالها الحاشية والانتهازيين والمنافقين من حاذقي الخصومة.
وكثيراً ما نقرأ او نسمع عن مصطلح العدو اللدود او ألد الخصوم والعدو اللدود هو في الواقع العدو دائم العداوة، المستمر في عداوته ولايراعي في عداوته او خصومته قواعد الفروسية والشرف، فيلجأ الى الفجور والأباطيل والطعن من الخلف في مواجهة خصومه دون يراعي في ذلك ذمة او ضمير
وفي الآصطلاح اللغوي: لَدود جمعها أَلِدَّة: صيغة مبالغة من لدَّ: شديد الخصومة “عدُوّ لَدودٌ”.
والأَلَدُّ: الشديد العَسَفِ في خصومته.
وفي الاصطلاح المعرفي : العدو اللدود هو الأعوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق، وهو المعوج عن الحق المولع بالخصومة والماهر بها.
قال تعالى(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ). البقرة الآية 204
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنَّ أبغض الرِّجال إلى الله الأَلَدُّ، الخَصِمُ ,وأقل ما يفوته في الخصومة طيبُ الكلام)
قال تعالى:{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾.
وقوله: (الخصم) الحاذق بالخصومة والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل.
في حديث الرسول ﷺ: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر)
وتربط الأدبيات الإسلامية عموماً بين الفجور في الخصومة وبين النفاق، فالفجور علامة من علامات المنافقين، كما ورد في الأثر النبوي، ولهذا الاعتبار الشرعي تفسيرات علمية في المعرفة البشرية؛ فالفاجر في الخصومة يعيش حالة من الفصام النفسي بين ضميره الإنساني وبين مشاعره الانتقامية التي تتغلب عليه، فيطعن في الأعراض، ويستسلم لغرائز الثأر البدائية، وإن كان ذا سلطة استسلم لغرائزه السادية في التعذيب والإيذاء لمخالفيه والمعترضين على نهجه والمطالبين بالإصلاح.
‏‎من اسوء الدلالات التي تدل على انعدام شرف الخصومة في السياسة هو تصفية الخصوم والاقتصاص منهم ومن عوائلهم وادانها هو استبعادهم من مراكز القرار والخدمة العامة
وروي عن نَوف بن فُضالَةالبِكالي ، حاجب أمير المؤمن (ع) في فترة حكومته، : إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل : قوم يحتالون على الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس مسوك الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب .
صفات الفارس
من الصفات المهمة التي يجب أن تتوافر في الفارس إضافة إلى قوته الجسدية، قوته العقلية ورجاحة عقله، وقدرته على موازنة الأمور، والقوة في الشرف والخلق، والحلم والصبر، وكره الغدر والخديعة.
‏‎ومن أخلاقيات الفروسية أيضا أن الفارس إذا سقط على الأرض أصبح فى ذمة أخيه وإذا سقط منه سيفه أصبح أيضاً فى ذمة أخيه فلا يقربه ولا يؤذيه ولا يهينه.
وفى الحياة نماذج كثيرة لمراعاة هذه المكارم من أناس يتصفون بالمروءة وحسن الخلق ،
وكانت تتجسد في الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وآل بيته الأطهار كل معاني الشرف والفروسية
ومن ذلك:
*ان النبى محمد صلى الله عليه وآله خاصمته قريش وآذته، ومع ذلك كان يقول :-“اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون”. وحين أرسلت إليه قريش وافدا لها ليعرض عليه بعض المقترحات بشأن دعوته قال له صلى الله عليه وسلم :-“قل ياابا الوليد اسمع “.
‏‎*ورد في بعض الروايات عن السبب في عدم ركوب أمير المؤمنين للخيل في الحرب ما ينقله صاحب مناقب ال ابي طالب: قيل له : لم لا تركب الخيل وطلابك كثير ؟ فقال : الخيل للطلب والهرب ولست أطلب مدبرا ولا أنصرف عن مقبل . وفي رواية: لا أكر على من فر، ولا أفر ممن كر، والبغلة تزجيني، أي تكفيني
‏‎.أي تكفيني. وكان (مركوبه عليه السلام) بغلة بيضاء يقال لها دلدل، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله .
*يقول العقّاد في شخصيّة الإمام علي (عليه السلام): “آداب الفروسية هي مفتاح هذه الشخصيَّة النبيلة الذي يُفَضُّ منها كل مغلق، ويفسر منها كل ما يحتاج إلى تفسير، وقد بلغت به نخوة الفروسية غايتها المثلى، ولا سيّما في معاملة الضّعفاء من الرّجال والنّساء، ولقد كان رضاه من الآداب في الحرب والسلم، رضى الفروسية العزيزة من جميع آدابها ومأثورها”. ثم يقول: “والإمام عليّ فارس لا يخرجه من الفروسية فقه الدين، بل هو أحرى أن يُسلكه فيها، ….. وكان للعقاد وقفة تمعّن في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك، وألا يكون في حديثك فضل على علمك، وأن تتقي الله في حديث غيرك”، فعلامة الإيمان تلك مثّلها الإمام فعليّاً في حياته.
*اما جبران خليل جبران يقول في عليّ (عليه السّلام): “في عقيدتي أنّ ابن أبي طالب، كان أوّل عربي لازم الرّوح الكليّة، وجاورها، وسامرها، وهو أوّل عربيّ تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته، وظلمات ماضيهم، فمن أعجب به كان إعجاباً موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية”، ثم يعزو سبب مخالفة قومه له، وتأمرهم عليه وقتله، ومن ثمّ محاولاتهم الحثيثة لطمس تراثه، وإبطال طريقته إلى تلك العظمة اللامتناهيّة المتجسّدة به، فيقول: “مات علي بن أبي طالب شهيد عظمته”.
‏‎*ذكر أن عمرو بن معديكرب تقاتل مع أحد أعدائه ،وكانا يتبارزان، فضرب عمرو سيف الرجل ضربة انكسر منها السيف، فوقف الرجل أمامه أعزل يكاد الخوف يقتله ،فاخفض عمرو سيفه ووضعه في غمده ،وقال للرجل :-” ليس من المروءة أن اقتلك وقد أصبحت الآن أعزل ثم تركه ومضى .
* قال يونس الصدفى :-” ما رأيت أعقل من الشافعى ،ناظرته يوما فى مسألة ثم افترقنا، و لقينى فأخذ بأيدى ،ثم قال : ياابا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وان لم نتفق فى مسألة ؟.
د- يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير :-” اننى مستعد لأن أموت من أجل أن ادعك تتكلم بحرية مع مخالفتى الكاملة لما تقول “.
@إشارة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here