كامل سلمان
الحركات أو التنظيمات الدينية السياسية الإسلامية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين في مصر والعراق وسوريا وإيران وفي معظم الدول الإسلامية من أجل إعادة أمجاد الماضي وإعادة حكم الشريعة ، فكان جل إهتمامها الوصول إلى السلطة عن طريق الثورات الشعبية المسلحة أو عن طريق الانتخابات الديمقراطية أو عن طريق التعاون مع العدو الخارجي ، رغم كثرتها وقوتها و سعة قواعدها الشعبية إلا إنها جميعها عانت من الفشل وعدم قدرتها على مواكبة تطورات الحياة وعدم قدرتها على تحقيق اهدافها ، فتحولت إلى منظمات إرهابية أو أحزاب فاسدة ، فعانت المجتمعات الإسلامية منهم ومن العنف الذي صاحب مسيرتهم ولم تستفد شيئاً بل ضحت هذه المجتمعات بشبابها وخسرت مستقبلها بدون مقابل ، ومرد ذلك يعود إلى عيوب صاحبت هذه التنظيمات منذ ولادتها فكانت هذه العيوب سرطان مستفحل يصعب علاجها في داخل هذه التنظيمات أو الأحزاب أو الحركات الدينية ، النتيجة كانت حتمية بموت هذه التنظيمات عملياً وأخلاقياً بعد استسلامها لهذا المرض العضال . مشكلة هذه التنظيمات فقدان القابلية العلمية لتشخيص الداء أو إيجاد العلاج ، فهذه العيوب هي داء تلك الاحزاب والعيوب كثيرة لا تعد ولا تحصى بالنسبة للباحث والمثقف والمتابع ولكل عاقل ولكن لعامة الناس ما ظهر منها لا يمكن سترها ، من هذه العيوب اخترنا أكثرها وضوحاً لعامة الناس والتي يستحيل اخفاءها بالرغم من قناعتي اليقينية بأن عناصر التنظيمات لا يعتبرونها عيوب فعندهم تبريراتها ، أولاً الإستغلال العاطفي : لا يوجد تنظيم ديني في العالم الإسلامي لا يعتمد العاطفة في كسب ود الناس ، وهذه العاطفة تبدأ من الارتباط والحب المشترك لرموز الدين الأولين والأخرين والتعظيم لطقوس الدين والكراهية المشتركة لمن يقف خارج الدين أو المذهب ، والعاطفة المفرطة أمام المناسبات الدينية الدورية ، ففي حالتي الحب والكره تدخل العاطفة بقوة ، واحياناً تصل العاطفة حد البكاء والصراخ والنحيب فهي مصدر قوتهم داخل الأوساط الفقيرة المحرومة وداخل المجاميع الشبابية المتخلفة الجاهلة ، العاطفة في مرحلة الثورة قد لا تكون عيباً ولكن في مرحلة الدولة فهي عيب مخزي لأن الدولة لا تقاد بالعاطفة ، ثانياً العنف والتخويف : العنف تحت ذريعة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بمعنى العنف الشرعي ، والعنف مرتبط بالحفاظ على الدين من الضياع فهو سلاح المؤمنين الثوريين في إسكات المعترضين على الحركات الدينية لأن المعترضين المناوئين فاسقين وكفار واعداء للدين حسب قياساتهم ، فلا يقوم الدين إلا بالقصاص من هؤلاء وبمن يجهر بالسوء بناءاً على ما يقرره مرشد الحركات الدينية . ثالثاً التقليد : جميع الحركات والتنظيمات الدينية تعتمد التقليد لمن سبقهم بالإيمان والجهاد وخاصة القادة المؤسسين لهذه التنظيمات ، فالسابقون الأولون هم السلف الصالح وما فعلوه في حياتهم لا أعتراض عليه ويجب الأخذ به وتقليده دون قيد أو شرط ، فهؤلاء لا يخطئون وأفكارهم مستنبطة عن علم من النصوص الدينية و تصلح لكل زمان ومكان ، أما الأحياء من القادة المجاهدين فلهم الولاء والطاعة المطلقة فهم خط أحمر لهذه الحركات لذلك فقدت هذه التنظيمات القدرة على المناورات السياسية والتجديد بسبب إرتباطهم بالتعاليم الثابتة . رابعاً الفساد : الفساد جزء لا يتجزأ من طبيعة المؤمن المجاهد عندما يتسلم زمام الأمور لأن في مخيلته بأن السلطة هي هبة من الله نتيجة صبره وجهاده فما يفعله من تلاعب وفساد في موقع سلطته يكون برضاء الرب حسب ظنه ، فيفعل ما يريد متوهماً بإنه في الجنة ( لهم فيها ما يشاءون ) لذلك فالفساد شيء حتمي لكل مؤمن جهادي بعد تسلمه السلطة ، فلا غرابة أن يسارع المجاهد الذي تبوأ المسؤولية في الدولة إلى تعدد الزوجات والزيارات المتكررة لبيت الله الحرام والمواظبة على المشاركة الفعالة بالنشاطات الدينية والمذهبية لكثرة الأموال التي تغدق عليه من فضل منصبه ، وهذا بالضبط ما فعله رجالات الدولة العباسية والأموية وسلاطين الدولة العثمانية وغيرهم فهي سنة حسنة يثاب فاعلها . خامساً الحروب : الحروب تعني عندهم الجهاد ولا معنى للسلطة بدون الجهاد ، فأي حزب ديني يتسلم السلطة حتى لو كان ذلك عن طريق الانتخابات لابد أن يفتعل الحروب في الداخل والخارج ، ولا يعتمدون في هذه الحروب على الجيوش النظامية التي يشككون بولائها الديني بل يعتمدون على المجاهدين في الاحزاب والمتطوعين من الشباب المحروم ، وهذه الحروب يجب أن تكون مستمرة حتى قيام الساعة مهما كانت نتائج هذه الحروب الجهادية ومهما كان الدمار والخراب وأن حياة الناس فداء للعمل الجهادي وللرسالة السماوية ، هذه النقاط التي ذكرناها تكررت نفسها في جميع الحركات الدينية الجهادية وتبرز وتتضح بشكل جلي عند الوصول إلى سدة الحكم ، ولسوء حظ المجتمعات الإسلامية فأن جميع الحركات والتنظيمات الدينية قد وصلت فعلاً الى سدة الحكم وعاثت في الأرض فساداً وظهرت معادنها الحقيقية خلال فترات التسلط ولم تكن هذه العيوب حالات فردية أبداً بل كانت صفة جماعية غالبة . الحقيقة أنا لا أتهم الحركات الجهادية الدينية بالسوء وأستثني التنظيمات العقائدية الأخرى غير الدينية ، فالكل سواسية ولكن الدوافع تختلف . هناك تساؤلات عند كل متابع وكل إنسان واعي منها ، هل أكتشف قادة هذه الحركات تلك العيوب ؟ هل مفهوم الفشل عندهم يعني الفشل كما يفهمه العقلاء أم أنه النصر أو الشهادة ؟ لماذا يحاولون إعادة أنفسهم بعد كل فشل غير آبهين للدماء التي تسفك ؟ طبعاً هم أنفسهم غير قادرين على الإجابة على تلك التساؤلات والسبب يعود إلى الأفكار التي تشبعت بها عقولهم وأولها بأن ما يفعلونه وما يسلكونه من أساليب هي حسب النص القرآني ( طريق ذات الشوكة ) أما التصحيح والنقد الذاتي ومراجعة الذات فهذه كلها إيحاءات شيطانية يستعيذون بالله منها . فهم ماضون بهذا التفكير وسيحاولون ألف مرة للعودة إلى السلطة مادامت معهم أمواج من القطيع ومادامت منابرهم تجذب السامعين .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط