آيات قرآنية عن الموت (ح 12) (أينما تكونوا يدرككم الموت)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله جل جلاله “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا” ﴿النساء 78﴾ أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند حلول آجالكم، ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن ساحة المعارك والقتال. وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى، وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جهالة وتشاؤمًا، وما علموا أن ذلك كله من عند الله وحده، بقضائه وقدره، فما بالهم لا يقاربون فَهْمَ أيِّ حديث تحدثهم به؟

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا” ﴿النساء 78﴾ خاطبهم تعالى فقال: “أينما تكونوا يدرككم الموت”: أينما كنتم من المواضع والأماكن ينزل بكم الموت، ويلحقكم “ولو كنتم في بروج مشيدة” قيل: يعني بالبروج: القصور، عن مجاهد، وقتادة، وابن جريج. وقيل: قصور في السماء بأعيانها، عن السدي، والربيع. وقيل: المراد به بروج السماء. وقيل: البيوت التي فوق الحصون، عن الجبائي وقيل: الحصون والقلاع، عن ابن عباس. فهذه خمسة أقوال. والمشيدة: المجصصة، عن عكرمة. وقيل: المزينة، عن أبي عبيدة. وقيل: المطولة في ارتفاع، عن الزجاج، وغيره. “وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله” اختلف في من حكى عنهم هذه المقالة، فقيل: هم اليهود، قالوا: ما زلنا نعرف النقص في أثمارنا، و مزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل، عن الزجاج، والفراء. فعلى هذا يكون معناه: وإن أصابهم خصب ومطر، قالوا: هذا من عند الله، وإن أصابهم قحط وجدب، قالوا: هذا من شؤم محمد كما حكى عن قوم موسى: “وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه” ذكره البلخي، والجبائي، وهو المروي عن الحسن، وابن زيد. وقيل: هم المنافقون: عبد الله بن أبي، وأصحابه، الذين تخلفوا عن القتال يوم أحد، وقالوا للذين قتلوا في الجهاد: لو كانوا عندنا ما ماتوا، وما قتلوا. فعلى هذا يكون معناه: إن يصبهم ظفر وغنيمة، قالوا: هذا من عند الله، وإن يصبهم مكروه وهزيمة، قالوا: هذه من عندك يا محمد، بسوء تدبيرك، وهو المروي عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: هو عام في اليهود والمنافقين، وهو الأصح. وقيل: هو حكاية عمن سبق ذكره قبل الآية، وهم الذين يقولون ربنا لم كتبت علينا القتال، وتقديره: وإن تصب هؤلاء حسنة، يقولوا: هذه من عند الله “وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك”: قال ابن عباس، وقتادة: الحسنة والسيئة: السراء والضراء، والبؤس والرخاء، والنعم والمصيبة، والخصب والجدب. وقال الحسن، وابن زيد: هو القتل والهزيمة، والظفر والغنيمة “قل” يا محمد “كل من عند الله”: أي جميع ما مضى ذكره من الموت والحياة، والخصب والجدب، من عند الله، وبقضائه وقدره، ولا يقدر أحد على رده ودفعه. ابتلى بذلك عباده ليعرضهم لثوابه بالشكر عند العطية، والصبر على البلية “فما لهؤلاء القوم”: أي ما شأن هؤلاء المنافقين “لا يكادون يفقهون حديثا”: أي لا يقربون فقه معنى الحديث الذي هو القرآن، لأنهم يبعدون منه بإعراضهم عنه، وكفرهم به. وقيل: معناه لا يفقهون حديثا: أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به أنه من عند الله من السراء والضراء، على ما وصفناه.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا” ﴿النساء 78﴾ سبق نظيرها عند تفسير الآية 145 من سورة آل عمران، فقرة (الأجل محتوم). “وإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ “. كل ما يراه الإنسان حسنا يقال له حسنة، ويرادفها لفظ الخير الذي يرغب فيه الإنسان ويتمناه، وكل ما يراه سيئا يقال له سيئة، ويرادفها لفظ الشر الذي يبتعد عنه الإنسان ويأباه، وقد يكون الخير عاما كالخصب والرخاء الذي لا يختص بفرد أو فئة، وقد يكون خاصا كسعادة المرء ببيته وأسرته، وكذلك الشر يكون خاصا كشقاء المرء بزوجته وأولاده، ويكون عاما كالجدب والغلاء، والمراد بالحسنة في الآية خير الطبيعة الذي يعم الجميع، كالمطر ونحوه، وبالسيئة شرها العام الذي يشمل الجميع، كالقحط وما إليه، لأن المنافقين والمشركين كانوا ان أصابتهم نعمة كالمطر قالوا: ان اللَّه أكرمنا بها، وان أصابهم نقمة كالقحط قالوا: هذا بسبب محمد، تماما كبني إسرائيل الذين أخبر اللَّه عنهم بقوله: “فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى” (الأعراف 131). ليس بالإمكان أبدع مما كان: “قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً “. هذا رد على من نسب الحسنة إلى اللَّه، والسيئة إلى رسول اللَّه، لأنهما معا من اللَّه، ذلك ان القحط والأمطار، والزلازل والمعادن، كل هذه وما إليها من لوازم الطبيعة وآثارها، واللَّه سبحانه هو الذي خلق الطبيعة وأوجدها، إذن، ينسب خير الطبيعة وشرها إليها مباشرة، والى اللَّه سبحانه بواسطة إيجاده للطبيعة. فهو جلت عظمته سبب الأسباب. وتسأل: لما ذا لم يخلق اللَّه الطبيعة من غير شر، بحيث تكون خيرا خالصا من كل شائبة، ويريح بهذا عباده من الويلات والمتاعب؟. وقد طرح هذا السؤال أو الإشكال منذ آلاف السنين، وحلَّه ( زرادشت ) بوجود إلهين: إله للخير، وهو (موزد) وإله للشر، وهو (اهريمن). وقال آخرون: ان اللَّه خلق هذه الطبيعة بما فيها ولها من خير وشر، ولكنه في الوقت نفسه خلق عقولا تكيّف هذه الطبيعة إلى خير الإنسان وصالحه، ومنها هذه المخترعات التي قربت البعيد، وسهلت العسير، وأنشأت السدود لصد الفيضان، وتنبأت بالعواصف قبل وقوعها. إلى ما لا يحصى كثرة. وقال عابد زاهد: أن الشر لا بد منه لعقوبة العصاة والمذنبين.. وهذا الجواب يكذبه العيان والقرآن، فان الطبيعة لا ترحم مؤمنا ولا ضعيفا، والزلازل لا تميز بين الطيب والخبيث، قال تعالى: “واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً” (الأنفال 25). ومنهم من قال: اللَّه يعلم، ونحن لا نعلم شيئا. وقال الأشاعرة، هذا السؤال مردود شكلا وأساسا، لأن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض والغايات: (لا يسأل عما يفعل).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني. وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: أبطأ رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، ثم أتاه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أبطأ بك عنا، فقال: السقم والفقر، فقال له: أفلا أعلمك دعاء يذهب الله عنك بالسقم والفقر، قال: بلى يا رسول الله، فقال: قل لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، قال: فما لبث أن عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله قد أذهب الله عني السقم والفقر.

كل النجاحات المادية في الحياة هي نجاحات وهمية كالحصول على الاموال والاملاك والشهادات “مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ” (النحل 96) فالذي يعمل لله وليس للدنيا يبقى اثره في الدنيا والاخرة “وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ” (يس 12). قال أمير المؤمنين عليه السلام (إنما حظ أحدكم من الأرض ذات الطول والعرض قيد قده متعفرا على خده.) وهو قول بليغ أي سوف تضع خدك على التراب في القبر تاركا ممتلكاتك وسوف لا تفيدك في منام القبر. ويقول الامام الهادي عليه السلام: أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ. فاين الوجوه الجميلة التي تنظر اليها امام المرآة فقد تغيرت وهي في القبر فلا مال ولا بنون انما الباقيات الصالحات هي التي تفيد الانسان “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا” (الكهف 46).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here