آيات قرآنية عن الموت (ح 14) (الله يتوفى الأنفس حين موتها)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الزمر 42﴾ “الله يتوفى الأنفس حين موتها” أي يقبضها إليه وقت موتها وانقضاء آجالها والمعنى حين مرت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف. “والتي لم تمت في منامها” أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز وهي التي تفارق النائم فلا يعقل والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت أن قبض النوم يضاد اليقظة وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم يكون الروح معه في البدن وقبض الموت يخرج الروح معه من البدن. “فيمسك التي قضى عليها الموت” إلى يوم القيامة لا تعود إلى الدنيا “ويرسل الأخرى” يعني الأنفس الأخرى التي لم يقض على موتها يريد نفس النائم “إلى أجل مسمى” قد سمي لموته.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الزمر 42﴾ ثمّ لتوضح أنّ الحياة والموت وكلّ شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى، قالت الآية: “الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها”. وبهذا الشكل فإن (النوم) يعد شقيق (الموت) لكن بأحد أشكاله الضعيفة، أي (أشكال الموت)، لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، وتقطع الكثير من العلاقات والوشائج بينهما. وتضيف الآية “فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأُخرى إلى أجل مسمى” نعم “إنّ ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أُمور: 1 ـ إنّ الإنسان عبارة عن روح وجسد، والروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة. 2 ـ عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والجسد، ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح، وعند النوم يخرج الباريء عزّوجلّ الروح والجسد، ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. ووفقاً لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، وهي: إرتباط كامل (حالة الحياة واليقظة) وارتباط ناقص (حالة النوم) وقطع الإرتباط بصورة كاملة (حالة الموت). 3 ـ النوم هو أحد الصور الضعيفة (للموت)، و (الموت) هو نموذج كامل (للنوم). 4 ـ النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح، خاصة عندما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر. 5 ـ إنّ العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم، وأحياناً تقطع تماماً ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي موته. 6 ـ إنّ الإنسان عندما ينام في كلّ ليلة يشعر وكأنّه وصل إلى أعتاب الموت، وهذا الشعور بحد ذاته درساً يمكن الاعتبار منه، وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته. 7 ـ كلّ هذه الأُمور تجري بقدرة الباريء عزّوجلّ، وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر الباريء عزّوجلّ. وعلى أية حال، فإنّ المراد من قوله تعالى: “إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” هو إثبات دلائل قدرة البارئ عزّوجلّ، ومسألة الخلق، والمعاد، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عزّوجلّ.

جاء في موقع الحكيم عن شبهات وردود للسيد محمد سعيد الحكيم: هل المقطع في الزيارة الجامعة (وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم) فيه محظور شرعي أو أنه يتنافض مع القرآن “إن إلينا إيابهم ثم إنا علينا حسابهم”. الجواب: ج ــ ليس في ذلك منافاة لأن الأعمال المأذون بها من الله تعالى يصح نسبتها اليه سبحانه لأنها بحوله وقوته واذنه ولذلك لا يتنافى قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (الزمر 62) مع قول: “أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ” (آل عمران 49). ولا يتنافى قوله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر 42) مع قوله تعالى: “قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ” (السجدة 11).

جاء في موقع سماحة المرجع الديني السيد كمال الحيدري عن اختصاص علم التأويل الكامل باهل البيت عليهم السلام: وأمّا المتناقضات فكقوله: “قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بـِكُمْ”، ونقيضه: “اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها” (الزمر 42)، وكقوله: “فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا”، ونقيضه: “وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً”. ومعلوم أيضاً أنّ هذه المتناقضات لو لم تكن مؤوّلة على طريق العقل والشرع لكان يلزم منها فيه اختلاف كثير. ولم يكن يخفى على الآملي وهو يسرد هذا الكلام ويقرّره أنّ التأويل الواجب هنا والذي يقتضي تركه الوقوع فيما هو ممتنع من المفاسد، ليس تأويل أهل الباطن، بل التأويل المستند إلى قانون اللغة والمنطلق في أساليب استخدامها، والقائم على المجاز والكناية بقرينة أنّهم استخدموه مثلاً في تفسير قوله تعالى: “وَ جاءَ رَبُّكَ” فقالوا: إنّ تأويله: جاء أمر ربّك بحذف المضاف، وهو من باب المجاز في الإسناد المقرّر في علم المعاني، أو الحذف مع التقدير المقرّر في البيان، والقرينة على المجاز أو الحذف قرينة عقلية وهي استحالة نسبة المجيء إلى الحقّ نفسه. لذا عقّب على هذا النحو من التأويل بقوله: (لكن هذا كلّه هو طريق أهل الظاهر وأرباب الأُصول تنزيهاً للحقّ من النقائص وتقديساً له من العيوب اللاّزمة للإمكان والحدوث) والتي وقع فيها كثيرون عندما أخذوا أنفسهم بالتزام دلالة الظاهر، و عزفوا عن الأخذ بالتأويل والعمل على طبقه. (والحنابلة ما وقعوا فيما وقعوا إلاّ من عدم التأويل والحكم بظواهر القرآن دون بواطنه). (أمّا طريق أهل الباطن وأرباب المعرفة فسبيل مختلف ومنهج مغاير، وهو يقوم ـ كما سيأتي ـ على أساس اشتمال القرآن على مراتب باطنة للمعنى لا يساعد قانون اللغة ولا سياقها في التأدّي إليها وبلوغها، ولا تنفع أساليب الفهم وطرائق الاستنباط والتفسير الشائعة عند أرباب الظاهر وعلماء الشريعة في اقتناصها. ولقد تمسّكوا أكثر ما تمسّكوا للاستدلال على ذلك بما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن، والذي ورد منه أيضاً: ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، ولكلّ حرف حدّ، ولكلّ حدّ مطلع. وهذان الخبران دالاّن على أنّ للقرآن ظواهر تجب التفسير، وبواطن تجب التأويل، إلى أن يصل التأويل إلى نهاية المراتب السبع، بل لكلّ آية منه، بل لكلّ حرف، وعلى هذا التقدير يجب الشروع في بيانهما حتّى يتحقّق بعض هذا المعنى عندك).

جاء في موقع المرجع عن كتاب الاحتجاج للمؤلف أبي منصور أحمد الطبرسي: قال الامام الرضا خلال احدى مناظراته مع زعيم النصارى: يا نصراني أني أسألك عن مسألة قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك. قال الرضا عليه السلام: ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله. قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، أن من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فهو: (رب) مستحق لأن يعبد. قال الرضا صلوات الله عليه: فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليه السلام، مشى على الماء، وأحيى الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم لا تتخذه أمته رب ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل ؟ ولقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسى ابن مريم، فأحيى خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة. ثم التفت إلى رأس الجالوت وكان في المجلس فقال: يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة، اختارهم (بخت نصر) من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس، ثم انصرف بهم إلى بابل، فأرسله الله عز وجل إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم؟ قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه. قال: صدقت. ثم قال: يا يهودي خذ علي هذا السفر من التوراة، فتلا عليه من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح لقراءته، ويتعجب ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ قال: بل كانوا قبله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here