شجرة آدم في القرنة كما وصفها الرحالة الامريكي لوكر

بقلم :الأستاذ الدكتور عماد جاسم حسن العكداوي /جامعة ذي قار

تكتسب المواقع الاثرية والتاريخية اثرا مهما في حياة الشعوب وذلك لما تحفظه من ذكريات وتاريخ عبر الاجيال المتعاقبة وتصبح تلك المواقع نقطة مهمة يقصدها الزوار والسواح من مختلف المناطق والبلدان للاطلاع عليها ومن ثم تعد مكسبا اقتصاديا للبلد الذي توجد فيه .
وعلى هذا الاساس فأن بلدنا العراق يعد من البلدان المميزة بكثرة المواقع الاثرية التي يعود تاريخها الى الالاف السنين مما دفع العديد من السواح والرحالة الى شد الرحال اليه للاطلاع على ما تركه الانسان والطبيعة من مواقع ومعالم ضلت شاخصة طوال العهود الماضية وهي تنطق بما مر عليها من احداث واجيال .
وبما ان العراق من البلدان المشهورة في هذا المجال فأن اغلب مدنه تضمنت عدة مواقع اثرية تكونت على مدار السنين ، وتعد مدينة البصرة واحدة من اقدم واهم المدن العراقية بكل المجالات حيث شهدت ارضها عدة مواقع اصبحت قبلة للقادمين الى تلك المدينة للاطلاع على اثارها وتراثها ،ولعل من بين ابرز تلك المواقع واقدمها مايطلق عليها ب(شجرة آدم )التي توجد قريبة من مدينة القرنة ،تلك الشجرة التي يعود تاريخها الى ازمان بعيدة وكتبت عنها اراء عديدة وكثرت الروايات بخصوصها ،فضلا عن ذلك فأن العديد من الرحالة ممن سلكوا الطريق المائي عبر مدينة القرنة نقلوا اوصافا لتلك الشجرة ،والحقيقة في مقالتنا هذه نحاول ان نسلط الضوء على مشاهدات وملاحظات الرحالة الامريكي لوكر والذي لاتعرف عنه معلومات شخصية سوى رحلته التي قام بها عام 1868 التي انطلق بها من مدينة بومباي في الهند ثم مروره بمسقط والكويت وبعد ذلك العراق واخيرا استنابول وخلال سفره ومروره بمدينة القرنه التي وصفها بأنها كان يطلق عليها ب(جنة عدن) وهذا التوصيف في الواقع اشار اليه ايضا رحالة اخرون وربما تكون طبيعة المكان هي من دفعهم الى وصفه بذلك .
ويمضي لوكر في وصفه لتلك المنطقة والمناظر الطبيعية الخلابة التي رأها لكنه ركز على شيئ مهم وهو الشجرة التي اصبحت معلما تراثيا مهما في مدينة البصرة او مايطلق عليها شجرة آدم ،حيث قال ((كانت لديه رغبة كبيرة لرؤية شجرة التين البرية المعقدة المشار اليها من قبل السكان لجميع الزائرين على انها الشجرة المنحدرة من سلالة الشجرة نفسها التي كان لها شرف لايوصف قبل خمسة او ستة الالاف سنة في تقديم المادة التي كانت او لباس لابوينا المشتركين آدم وحواء)).
ويضيف لوكر قائلا((رغم انني كنت اضمر بعض الشكوك حول سلالة شجرة التين التي يتوق جميع سكان القرية الى عرضها للزائرين لم استطع ان اكبح مشاعري عندما وصلنا قرب البقعة التي اشار فيها رجل عربي مسن كان بمثابة دليل لنا على انها الارض التي وطئتها اقدام الزوج السعيد ابوينا الاولين )).
وبعد ان وصل لوكر الى مقربة من تلك الشجرة فأنه قدم وصفا دقيقا لها حيث قال انها مخبأة ضمن كتلة من اشجار بأنواع مختلفة ،ليست ابعد من خمسمائة ياردة عن المكان الذي ترسو فيه مركبتنا ،ومما يلاحظ عليها المظهر الصخري المعقد لجذعها المغطى بأحرف اسماء لزوار سابقين لاتزال مئية اثنان او ثلاثة منها بالكاد تم نقشها من قبل اصحابها فقط لتدوين حماقاتهم اذا لم يكونوا مؤمنين بالهوية التاريخية لتلك البقعة من العالم او بالنسب الشهير للشجرة نفسها .
كما تحدث لوكر عن طولها الذي قدره بعشرين قدما وقطرها (اي عرضها)بـ بثلاثة اقدام وساقها معقد ومليئ بالبثرات لكنه منتصب بعض الشيئ. ويعطي لوكر فكرة عن الاشخاص الذين يمرون بهذه الشجرة حيث اكد بأنهم دائما ما يحاولون ان يأخذوا منها شيئا ،لذا فأنه اقدم ايضا على محاولة الحصول على بعض الاوراق منها وكان غرضه من ذلك تجفيفها واخذها معه الى امريكا .
ومن طبيعة الرحالة فأنهم عندما يتوقفون في اي مكان فأنهم يكتبون بتفاصيل دقيقة بل انهم يعبرون عن مشاعرهم اثناء تواجدهم في تلك المواقع ،حيث تحدث لوكر عن مشاعره في لحظة وجوده عند تلك الشجرة قائلا(( بينما كنت ارنو الى موقع الفردوس القديم قكرت ان بأمكاني استغلال الفرصة لأسأل عن تلك الشجرة التي تحمل التفاحة المهلكة ذات الطعم الذي اغرق الزوج السعيد في بحر من المشقات حتى هذه اللحظة ولكن لا احد يعرف شيئا عن هذه الشجرة ))واضاف بأنه كان خائفا عند اخذه بعض الاوراق من تلك الشجرة وخوفه متأتي من اعتقاده بأن الملائكة ربما تلاحقه لاختلاسه بعض الاوراق منها وان تلك الشجرة هي في مكان مقدسة وهي جنة عدن التي تتواجد فيها الملائكة..ويتضح من ذلك ان الرحالة لوكر كانت لديه معلومات عن تلك الشجرة وكان تواقا للوصول اليها لانها حسب المعلومات التي نقلت اليه انها مقدسة ،وبالتالي هذا يعطي انطباعا واضحا بأن تلك الشجرة فعلا هي شجرة تراثية واثرية وتمتلك تاريخا قديما ومن ثم فأنها معلما سياحيا لو احسن استغلالها .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here