آيات قرآنية عن الموت (ح 17) (حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن الموت “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” ﴿البقرة 180﴾ لسان الآية لسان الوجوب فإن الكتابة يستعمل في القرآن في مورد القطع واللزوم ويؤيده ما في آخر الآية من قوله حقا، فإن الحق أيضا كالكتابة يقتضي معنى اللزوم لكن تقييد الحق بقوله على المتقين، مما يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة فإن الأنسب بالوجوب أن يقال: حقا على المؤمنين، وكيف كان فقد قيل إن الآية منسوخة بآية الإرث، ولوكان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب وأصل المحبوبية ولعل تقييد الحق بالمتقين في الآية لإفادة هذا الغرض. والمراد بالخير المال، وكأنه المال المعتد به، دون اليسير الذي لا يعبأ به والمراد بالمعروف هو المعروف المتداول من الصنيعة والإحسان.

عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن الموت “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” ﴿البقرة 180﴾ هذه الآية من آيات الأحكام، وتدخل في باب الوصية، وقد كثرت وتضاربت حولها أقوال الفقهاء والمفسرين.. من ذلك ان من كان عنده مال وظهرت له دلائل الموت وعلاماته فيجب عليه أن يوصي بشيء من ماله للوالدين والأقربين، حتى ولو كانوا وراثا، فيجمع لهم بين الميراث والوصية بالمال، ومنها ان الوصية تجب للقريب إذا كان غير وارث، ومنها ان الوصية للأقرباء مستحبة، وليست بواجبة، ومنها أن يوصي لورثته بحقهم وأنصبتهم من الميراث، فالآية تجري مجرى قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، ومنها ان الوصية للأقارب انما تجب إذا كان المال كثيرا، ومنها ان الآية منسوخة بآية المواريث، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تعتمد على أساس. الوصية للوارث: اختلف السنة والشيعة في صحة الوصية للوارث، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على انها لا تصح معتمدين على حديث: (لا وصية لوارث). واتفق فقهاء الشيعة الإمامية على صحة الوصية لوارث وغيره، لعدم ثبوت هذا الحديث عندهم، ولأن الأدلة الدالة على صحة الوصية وجوازها تشمل بعمومها الوصية للوارث.. بالإضافة إلى روايات خاصة عن أهل البيت عليه السلام، وأقوى الأدلة كلها على صحة الوصية للوارث هذه الآية، قال العلامة الحلي في كتاب التذكرة: (الوصية للوارث صحيحة عند علمائنا كافة، سواء أجاز الوارث أولا، لقوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ عَلِيمٌ” – فأوجب اللَّه الوصية للوالدين اللذين هما أقرب الناس إلى الميت، ثم قال تأكيدا للوجوب: حقا على المتقين، وهو يعطي عدم اتقاء من لا يعتقد ذلك، ثم ثنى التأكيد بقوله تعالى: “فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ”، ثم أكد هذه الجملة بقوله: “إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ عَلِيمٌ”، وهذه الآية نص في الباب). وتسأل: ان الشيعة قالوا بجواز الوصية للوالدين والأقربين، ولم يقولوا بوجوبها مع ان الآية صريحة في الوجوب، لأن معنى كتب فرض، وعلى هذا فان الشيعة قد خالفوا ظاهر الآية، كما خالفها السنة القائلون بعدم صحة الوصية للوارث. الجواب: من المتفق عليه بين المسلمين كافة أن استخراج الحكم الشرعي من القرآن لا يجوز إلا بعد النظر إلى السنة النبوية، بل والبحث عن الإجماع أيضا، فإذا لم يكن سنة ولا اجماع في موضوع الآية جاز الاعتماد على ظاهرها، وقد ثبت في السنة، وقام الإجماع على أن الوصية للأقرباء ليست بواجبة.. إذن، فلا بد من حمل الآية على استحباب الوصية لهم دون الوجوب، ويكون معنى: حقا على المتقين، إن هذا الاستحباب ثابت حقا، لأن معنى الحق هو الثبوت. والمراد من المعروف بالآية أن يكون الشيء الموصى به مناسبا بحال الموصي والموصى له، فلا يستنكر ويستهجن لقلته، ولا يبلغ حدا من الكثرة يضر بالوارث، كما لو تجاوز عن ثلث التركة، فلقد جاء في الحديث: (ان اللَّه أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم).

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الموت: الوصية عند الموت: لا ينبغي للإنسان أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه، ولكن لو لم يكتب المكلف وصيته قبل الموت يستطيع أن يوصي عند حضور الموت قال تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” (البقرة 180) وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ” (المائدة 106)

جاء في كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم: خطبة الزهراء عليه السلام الكبرى قال الطبرسي: وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونُهزة الطامع وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله، بعد اللتيا والتي. وبعد أن مني ببُهَم الرجال وذؤبان العرب، ومرَدَة أهل الكتاب.”كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ” (المائدة 64) أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصح، مجد، كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال. فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفاف، وأحشمكم فألفاكم غضاباً فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم. يندمل، والرسول لما يقبر. ابتداراً زعمتم خوف الفتنة. “أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ” (التوبة 49). فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ “بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَل” (الكهف 50)، “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران 85). ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء يصير (ونصبر) منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا. وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لن. أفحكم الجاهلية تبغون “وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة 50) أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيها المسلمون أغلب على إرثي؟. يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ” (النمل 16) وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: “فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ” (مريم 56) وقال: “وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ” (الانفال 75) وقال: “يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ” (النساء 11) وقال: “إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ” (البقرة 180).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here