كامل سلمان
قبل أسابيع قليلة كان هناك نزوح مليوني لشيعة لبنان إلى الأراضي السورية والأراضي العراقية عندما شنت إسرائيل هجماتها على جنوب لبنان ، واليوم هناك نزوح لعشرات الالوف من الشيعة السوريين بشكل معاكس إلى لبنان بعد نجاح الثورة السورية في اسقاط نظام بشار الأسد ، والمقاتلون السوريون نزحوا للعراق خوفاً من بطش المعارضة السورية ، وقبلها بعدة أعوام كان هناك نزوح سني بمئات الالوف من المحافظات العربية السنية إلى كوردستان ونزوح أخر من العراق لسوريا ومن سوريا للعراق ولبنان ، فأصبحنا بلداناً تتبادل النزوح الجماعي الداخلي والخارجي بدل التبادل التجاري والتبادل الثقافي والرياضي ، فاليوم نصدر لدول الجوار نزوح جماعي وغداً يردون لنا الدين بنزوح جماعي مماثل أو بشكل أكبر . وجميع الأطراف المسلحة التي كانت وراء هذا النزوح أو ذاك من كلا الجانبين أو الجوانب شعارهم الله أكبر ، وطبعاً هم مقاومون و مجاهدون في سبيل الله . فالمليشيات والتنظيمات السنية مجاهدون والمليشيات الشيعية مجاهدون أيضاً ، أما الأبرياء العزل فيقع عليهم الجهاد ، والسبب وراء هروب الناس الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ ورضع ومرضى و معاقين هو قناعاتهم اليقينية بأن التطهير العرقي أو المذهبي أو الديني قادم لا محالة وسوف لن تعفيهم سلميتهم وعدم حملهم للسلاح وسيكونون تحت المطرقة والقتل والاغتصاب ، والجميع لديهم تجارب سابقة وليسوا بحاجة للتجربة من جديد . أما أصحاب الديانات الأخرى غير الإسلامية فهؤلاء يشملهم الافتراس من الطرفين ، كأنهم تحت المنشار ( مأكولين ذهاباً وإياباً ) . الجميل في الأمر نجد هؤلاء النازحين سرعان ما يصبحون تحت رحمة الدول الكافرة بعد نزوحهم لتعتني بهم وترسل لهم المواد الغذائية والطبية والأدوية والخيم ومستلزمات البقاء على قيد الحياة . أما النازحون والنازحات لا يسلمون من التحرش والاعتداء الجنسي والفساد والسرقة من قبل المستضيفين الكرام إلا مارحم ربي …
تعساً لهذه المجتمعات التي نربي بها أبناءنا ، والتي نحن تربينا بها ، وندعي بأننا تربينا على القيم والاخلاق والمبادىء والدين ، وعندما نذكر هؤلاء النازحين فإن كانوا من أصحابنا وموالينا ومذهبنا فنصب الدموع عليهم حزناً و أسفا ونلعن ظالميهم ، وإن كانوا من قوم مخالفين لنا في المعتقد والمذهب فنقول ( يستاهلون حيل وياهم يستحقون الإبادة والموت ولعنة الله عليهم ) . بهذه العقول نريد أن نرتقي كباقي الأمم .. هل تظنون بأن رحلة النزوح أنتهت ؟ أنا أقول لا والف لا . كل عمليات النزوح السابقة كانت مجرد ( بروڤات ) لنزوحات مستقبلية كارثية .
من الخطأ جداً أن نكون متفائلين بالأمن والسلام والاستقرار والمستقبل الزاهر ونحن نعيش وسط تيارات دينية ومذهبية وقومية وعشائرية ومليشياوية وحيتان فساد وكلها تؤمن بالسلاح وتؤمن بالعنف ، وكلها ترتبط بجهات خارجية أجنبية وكلها تقودها قيادات جاهلة متخلفة مريضة نفسياً ومملؤة بالحقد والكراهية . وكلها تنتظر الأوامر لتنقض على غريماتها في سبيل الله ، والواقع لا يحتاج إلى شاهد .