“التدخل الإسرائيلي في سوريا: انهيار السيادة وصمت عربي مريب”

راجي سلطان الزهيري

بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، دخلت البلاد مرحلة جديدة من الفوضى الإقليمية والتدخلات الدولية. إحدى أبرز الظواهر التي رافقت هذا الانهيار هي التحركات الإسرائيلية المتسارعة داخل الأراضي السورية، حيث توغلت قوات الجيش الإسرائيلي عشرات الكيلومترات في العمق السوري وصرّحت علناً بأنها لا تعتزم الانسحاب، معتبرة ذلك إجراءً استراتيجياً لضمان أمنها القومي.
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على التوغل البري، بل رافقتها مئات الغارات الجوية التي استهدفت البنية التحتية العسكرية السورية. وقد أدى ذلك إلى تدمير ما يقدر بـ 80% من مقدرات الجيش السوري، الذي كان يُعتبر من أقوى الجيوش العربية. إسرائيل بررت عملياتها بأنها تستهدف الوجود الإيراني والمجموعات الموالية له، ولكن النتائج على الأرض تشير إلى إضعاف شامل لسوريا كدولة، في وقت تعاني فيه من انقسامات داخلية وأزمة إنسانية غير مسبوقة.
حيث أن الموقف العربي من هذا الوضع المأساوي يثير العديد من التساؤلات. رغم أن التدخل الإسرائيلي العلني والعدوان المتكرر يشكلان انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عربية، إلا أن معظم الدول العربية اكتفت بموقف المتفرج. فهل هذا الصمت يعكس عجزاً سياسياً وعسكرياً؟ أم أنه نتيجة لتفاهمات أو توافقات ضمنية بين بعض الدول العربية وإسرائيل على حساب سوريا؟
تعاني الدول العربية منذ سنوات من أزمات داخلية وضغوط خارجية جعلتها عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة في القضايا الإقليمية الكبرى. انهيار التضامن العربي وغياب رؤية موحدة للتعامل مع التدخلات الخارجية جعلت من الصعب مواجهة إسرائيل أو حتى إدانة تصرفاتها بشكل عملي.
من جهة أخرى، قد يرى البعض أن بعض الدول العربية، وخاصة تلك التي تعادي النفوذ الإيراني، قد تكون راضية ضمنياً عن التحركات الإسرائيلية في سوريا، طالما أنها تستهدف تقليص النفوذ الإيراني والمجموعات التابعة له. هذا التواطؤ، إن وُجد، يكشف عن أزمة أخلاقية وسياسية خطيرة في النظام الإقليمي العربي.
أن الصمت العربي على ما يحدث في سوريا لا يقتصر تأثيره على السوريين فقط، بل يحمل تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي ككل. السماح لإسرائيل بالتوسع في سوريا وتعزيز نفوذها دون أي رد فعل عربي قد يشجعها على المزيد من التوغل في دول أخرى مستقبلاً. كما أن هذا الموقف السلبي يرسل رسالة ضعف إلى القوى الإقليمية والدولية، مفادها أن العالم العربي لم يعد قادراً على الدفاع عن نفسه أو مصالحه.
إن ما يحدث في سوريا اليوم هو اختبار حقيقي للموقف العربي من قضايا السيادة والأمن القومي. إذا استمر هذا التخاذل والصمت، فإن الخطر لن يتوقف عند حدود سوريا، بل قد يمتد ليشمل مناطق أخرى في العالم العربي. المطلوب اليوم ليس فقط اتخاذ مواقف واضحة، بل صياغة استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التدخلات الخارجية، سواء من إسرائيل أو غيرها.
الصراع في سوريا لا يجب أن يكون مبرراً لتفكيك الدولة وتحويلها إلى ساحة نفوذ لقوى إقليمية ودولية. على الدول العربية أن تدرك أن أمنها مرتبط بأمن سوريا، وأن الوقوف مكتوفة الأيدي اليوم قد يجعلها هدفاً غداً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here