نخيل البصرة في كتابات الرحالة الاجانب
بقلم الأستاذ الدكتور عماد جاسم حسن /جامعة ذي قار
يعد النخيل من ابرز واهم الاشجار الموجودة في العراق والتي تغطي مساحات واسعة من اراضيه ولكثرتها اطلق على العراق قديما بأرض السواد ،وبما ان الرحالة الاجانب الذين توافدوا على العراق في العصر الحديث لم يغب عنهم الكتابة عن النخيل واعطاء اوصافا متعددة له ولاستخداماته .
ومما لاشك فيه ان مدينة البصرة من اشهر المدن العراقية التي تحوي اكثر اعداد النخيل بل واكثر اصنافه وهذا ما اشار اليه الرحالة الاجانب في كتاباتهم ،ونحاول في هذه المقال ان نسلط الضوء على كتاباتهم عن اشجار النخيل في مدينة البصرة في محاولة لإبراز تراث هذه المدينة المعطاة التي تعرضت اشجارها ونخيلها الى الخراب والدمار مع بقية ثروات البلاد الاخرى خلال عهد النظام السابق ،بعد ان كان تعداد النخيل في العراق اواسط عقد الثمانينيات من القرن العشرين يقدر بـ 32 مليون نخلة ،اما مدينة البصرة وحدها فقدر عدد نخيلها في منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين بـ13 مليون نخلة .
وعلى هذا الاساس اكد الرحالة الاجانب قبل تلك المدة كثرة اعداد النخيل التي يعتقد انها كانت اكثر بكثير حيث اكد الرحالة الدنماركي باركلي رونكيير الذي زار البصرة عام 1912 ((على مد البصر مزارع نخيل كثيفة على جانبي النهر ))كذلك لم يفت البريطاني لوريمر الاشارة الى النخيل عندما قال ((كانت مزارع النخيل الممتدة على ضفتي شط العرب شمال البصرة وجنوبها من اروع مزارع النخيل في العالم )) فضلا عن ذلك ذكرت البريطانية الليدي دراور ان النخيل في مدينة البصرة ليس الا بقايا ليالي الشرق الساحرة اذ قالت ((سأبقى اسيرة سحر المدينة ،لقد شاهدت باسقات النخيل في الليل البهيم وهي تتسامق فتعكس ظلالها على صفحات الماء البلورية وانها ليالي الشرق الساحرة ))وتشير دراور الى وجود النخيل في كل مكان بالبصرة ،حيث ترى انها المكان المناسب لتوافر بها الماء والجو الحار معللة ذلك بوجود قنوات ماء كثيرة .
اما الفرنسية مدام ديولافيه قالت ان الطبيب بدل ان يذكر فائدة النخيل …اختصر القول بأن النخلة وحدها هي التي يدين لها الشرقيون في حياتهم ولاسيما المسلمون الذين يعدون وجودها مفخرة في بلادهم ولاغر وفي ذلك ،اذ ان تمرها يكون العنصر الاهم في طعامهم وشرابهم .
اما بالنسبة الى الرحالة البريطاني جون تايلر فقد ذكر النخيل اثناء حديثه عن المهن التي يعمل فيها ابناء وادي الرافدين حيث قال((اما العرب الذين يسكنون على ضفاف النهرين دجلة والفرات فأنهم يعملون في زراعة النخيل وتربية المواشي ويفلحون الارض وتنتشر قراهم على ضفاف الفرات متناثرة بين غابات النخيل مما يدل ذلك على كثرة اعداد النخيل )).
وأشار الالماني كارستن نيبور الى انه قرأ في احد كتب الرحلات ان العرب في البصرة اذا شاءوا غرس نخلة جديدة فأنهم يعمدون الى تكديس كمية كبيرة من نوى التمر ويضعونها بشكل هرمي الواحدة فوق الاخرى على الارض ،كما اشار الرحالة الفرنسي تافرنييه الى ان من النخيل ماهو فحل وماهو انثى وعليه يجب غرسها الواحد بجانب الاخر ،واضاف ان بعض اهالي البصرة اشاروا الى طريقة اخرى في تلقيح النخيل وهي ان تأخذ طلعة واحدة من الفحل تضعها في قلب النخلة الانثى .فضلا عن ذلك فقد اشار الرحالة الامريكي لوكر في رحلته من بومباي الى استنابول عبر الخليج الى كثرة نخيل البصرة قائلا((ابحرنا طوال اليوم بين غابات لامتناهية من اشجار النخيل التي غطت ضفتي شط العرب واعطت البلاد مظهرا مبهجا وخصبا ))وهذا يدل على كثرتها .
ومما تجدر الإشارة الية ان الاهتمام بالنخيل وزراعته في العراق لم يكن حديثا وانما يرجع الى تاريخ العراق القديم حيث اشارت الكتابات التاريخية الى وجودها منذ السومريين والبابلين بل ان شريعة حمو رابي اشارت في مادتين الى الاهتمام بالنخيل ،فقد اكدت المادة الرابعة والستين (من يقطع شجرة النخيل يغرم نصفا من نصيبه)فيما تناولت المادة الخامسة والستين بتلقيح النخيل والاهتمام به .
الى جانب ذلك فقد أشار الله سبحان وتعالى في محكم كتابه الى أهمية النخلة اذ ورد ذكرها في ستة وعشرين اية قرأنية ،كما أشار الرسول الكريم محمد (ص)الى أهمية النخل وثماره اذ قال (ان التمر يذهب الداء ولا داء فيه ،وانه من الجنة وفيه شفاء)،كذلك اكد على ضرورة الاهتمام بزراعة اشجار النخيل عندما قال (اكرمو عمتكم النخلة )الامر الذي يعطي اشارة واضحة على اهمية تلك الشجرة .