«سقوط الأسد» يساهم بانخفاض «الكبتاغون» في العراق


2024/12/18
تستمر تبعات سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، لتلقي بظلالها على العراق، ولكن هذه المرة بشكل مختلف، حيث كشف الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الامن القومي العراقي، اليوم الثلاثاء، عن انخفاض أو “انعدام” حالات تهريب “الكبتاغون” عبر الحدود العراقية منذ سقوط نظام الأسد حتى الآن، الأمر الذي يكشف عن حجم الضرر الذي كان يسببه النظام على حياة العراقيين، رغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لمطاردة واستئصال تلك الآفة والمتعاملين معها.

يشار إلى أن أكثر أنواع المخدرات رواجا في العراق كما يؤكد مسؤولون أمنيون، هي مادة الكريستال التي يتراوح سعر الغرام الواحد منها بين 15 إلى 25 ألف دينار (11.5 إلى 19 دولارا)، والكبتاغون التي يصل سعر الحبة الواحدة منها إلى نحو دولارين، وغالبية متعاطيها هم من فئة الشباب بين 18 إلى 30 سنة.

وقال عضو الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الأمن القومي العراقي حيدر القريشي، بحسب “الحرة” وتابعته “العالم الجديد”ـ إنه “لم تسجل السلطات العراقية خلال الأيام التي أعقبت سقوط نظام الأسد، أي عملية تهريب من الأراضي السورية”.

وبين أن “الكبتاغون الذي دخل من سوريا، يشكل نحو 90% من الكميات المتداولة في العراق”، مشيرا الى ” وجود سياسيين متنفذين وعصابات مسلحة، تدير عمليات تهريب المخدرات وتوزيعها في العراق وتصديرها إلى تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي”.

وكشف عضو الفريق الوطني عن “ثغرات” في الحدود مع سوريا من جهة قضاء سنجار بمحافظة نينوى، وعن عمليات “تهريب” للمخدرات في مساحات حدودية أخرى”، مبينا أن “18 مليون حبة “كبتاغون” في النصف الأول من العام الحالي، واعتقال أكثر من 6 آلاف تاجر ومهرب وناقل للمادة”.

وكان نظام الأسد ينكر ضلوعه بعمليات إنتاج وتهريب المخدرات وحبوب “الكبتاغون”، مرجعا أسباب انتشار هذه التجارة إلى جماعات “خارجة عن سيطرته” وفي مناطق ضربها “الإرهاب” سابقا، في إشارة منه إلى البقع التي سيطرت عليها فصائل المعارضة.

لكن ما كشفته الفيديوهات التي نشرها صحفيون ومسلحون، مؤخرا، وثقت أن عمليات إنتاج وتهريب الكبتاغون كانت تتم انطلاقا من منشآت تقع داخل حدود سيطرته الأمنية والعسكرية الخالصة. وحتى أن واحدة من هذه المنشآت كانت مملوكة ويديرها رجل الأعمال المقرب منه، عامر خيتي، الذي أُدرج اسمه سابقا على قوائم العقوبات الأميركية والبريطانية.

الفيديوهات التي وثقت ما كان يجري داخل منشآت الأسد لإنتاج الكبتاغون بعد سقوطه، تشير إلى أن النظام كان دائما منخرطا في إنتاج على نطاق صناعي، رغم الرواية التي كان يروجها بأنه لا يوجد أي إنتاج في المناطق التي يسيطر عليها.

كما أظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صناديق مليئة بـ”الكبتاغون” في مستودع مقر عسكري يقع بالقرب من العاصمة السورية دمشق، قيل إن ماهر شقيق بشار الأسد كان يديره.

كما قدر “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” المتابع لتجارة المخدرات في العالم العربي أن نظام الأسد حصل على متوسط ​​2.4 مليار دولار سنوياً من هذه التجارة بين عامي 2020 و2022، علماً أن حجم السوق العالمي يبلغ 5.7 مليارات دولار.

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت سلسلة عقوبات في هذا الخصوص، أولها قانون “كبتاغون” بنسخته الأولى، الذي استهدف بالتحديد شخصيات من آل الأسد ضالعة في عمليات التصنيع والتهريب والاتجار.

ففي سبتمبر 2020، أقرّ مجلس النواب الأمريكي قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها، ويختصر اسم القانون باللغة الإنكليزية بـ “كبتاغون”، بينما شهد العام الجاري إقرار قانون كبتاغون بنسخته الثانية، الذي يدعو إلى تعطيل وتفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.

وبرغم مما حققته الحكومات العراقية من نتائج في مكافحة آفة المخدرات لكن هذا الملف وفق ما يرى مراقبون قد تجاوز أن يكون ظاهرة وتعدى إلى تجارة تدر أموالاً طائلة ومحمية سياسياً ما دفع لتوسع تعاملاتها لاسيما أن المخدرات كفيلة بتفكيك الأسرة وبالتالي تدمر أي مجتمع بالكامل.

وكان مجلس النواب العراقي قد شرع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، وضم 51 مادة، إثر دخول العراق في معاهدات دولية عديدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ومع الارتفاع الكبير في أنشطة العصابات الإجرامية المتخصصة بتهريب وترويج المخدرات في مختلف أنحاء البلاد، وحتى زراعة بعض أنواعها.

ونصت المادة الثالثة من القانون، على تأسيس هيئة تابعة لوزارة الصحة باسم الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، مهمتها وضع سياسة عامة لاستيراد أي نوع من المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الكيمياوية وتصديرها.

وبلغ عدد الملقى عليهم القبض في تجارة وحيازة المخدرات 43 ألف تاجر وحائز مخدرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة بينهم 150 تاجراً أجنبياً، كما تم ضبط أكثر من 28 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية إضافة إلى ملايين الحبوب المخدرة والمهلوسة، فيما بلغت نسبة التعاطي في المناطق الفقيرة بلغت 17% وأعلى نسب لأعمار المتعاطين كانت من 15-30 سنة، وأكثر المواد تعاطياً في العراق هي الكريستال حيث بلغت 37.3%، والكبتاغون 34.35%، والأنواع الأخرى بلغت 28.35%، بحسب الإحصائيات الحكومية.

وفي 12 آب أغسطس الماضي، اعلن مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، عن حرمة تجارة وتعاطي المخدرات، داعيا إلى العمل على تطهير الأجهزة الأمنية من الفاسدين.

ودعت لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي، في 10 آب أغسطس الماضي إلى اتخاذ إجراءات مشددة للحد من تهريب المخدرات إلى العراق، مؤكدة أن موظفين وعناصر أمن يسهلون دخول المخدرات عبر المنافذ الرسمية.

وفي أيار مايو الماضي، كان قد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها “تهديد إرهابي”، مؤكدا أنها “وضعت إستراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات”.

وكان جهاز الأمن الوطني قد أعلن في 14 كانون الأول ديسمبر 2023، عن تفكيك شبكة دولية لتجارة المخدرات بحوزتهم 12 كيلوغراما من الكرستال في البصرة، مكونة من 10 أشخاص، المتهم الرئيس فيها كان يعمل على إدخال المخدرات من خارج الحدود إلى المحافظة.

وورد ضمن ملف المخدرات الذي أعدته “العالم الجديد” وشمل محافظات عديدة، أن نسبة تعاطي المخدرات في محافظة كربلاء، ذات الطابع الديني، تراوحت بين الشباب بين 3-5 بالمئة خُمسهم نساء، وسط تعكز كبير على مركز واحد لمعالجة الإدمان من المؤمل أن يفتتح قريبا داخل “المستشفى التركي”، فيما كشف الملف عن تفاصيل وأرقام صادمة بشأن تعاطي المخدرات في واسط وذي قار، حيث بلغت نسبة التعاطي بين شباب ذي قار 20 بالمئة، بينهم 5 بالمئة إناث، فيما استفحل التعاطي بين الإناث والذكور أيضا في واسط، وبنسبة مرتفعة بحسب المتخصصين، من دون تحديد الأرقام لافتقار المحافظة إلى مراكز متخصصة.

ووفقا للإحصائيات الدولية، يشير تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، إلى أن السلطات العراقية صادرت عام 2023 رقما قياسيا بلغ 24 مليون قرص كبتاغون تقدر قيمتها بين 84 مليون دولار و144 مليونا، مضيفا أن مضبوطات هذه المادة زادت بنحو ثلاثة أضعاف بين سنتي 2022 و2023.

وتعد المخدرات من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، لاسيما أن تجارتها توسعت بشكل خطير في الفترة الأخيرة، فيما توجد تحركات نيابية لتعديل قانون المخدرات، حيث سيتضمن القانون الجديد إجراءات مهمة على مستويات مختلفة تسعى لتشديد العقوبات على المتاجرين، وتعزيز البرامج العلاجية للمدمنين، إضافة لتحويله صفة المتعاطي من “مجرم ” إلى “مريض” لأول مرة في تاريخ العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here