شهرة كفقاعة : قصة قصيرة

شهرة كفقاعة : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

تعرّض الدكتور و ” القائد الفيسبوكي ” ــ صاحب أكبر صفحة للمتابعين ـ، لجلطة قلبية مباغتة ، و لكن بسبب تشخيص طبي خاطئ بدا و كأنه قد لفظ أنفاسه الأخيرة ، فقرر أهله تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير ، بعدما توقف أخر نبض في قلبه الهامد ـــ وفقا لتقرير الطب الشرعي ..
و أثناء تشييعه نحو المقبرة ، محمولا على أكتاف مشيعين يتناوبون حمل تابوته الثقيل مع أصواتهم الآتية خليطة ومتداخلة ، مزيجا بين دعاء و استغفار و طلب رحمة و شفاعة له لدخول الميت الجنة ! ، مع حديث عام متنوع عن الأحوال العامة من اجتماعية ، و اضطرابات سياسية ، و أسعار السوق و تقلبات اٍسعار العملات و سوء الخدمات و الخ ..

و كان ” القائد الفيسبوكي ” يستمع إلى أحاديثهم بفضول و اهتمام ، مع رغبة مُلحّة في المشاركة ، بهدف تصحيح ــ حسب تصوره ــ بعض الطروحات و المفاهيم أو التوقعات الخاطئة للمشيعين ، ولكنه وجد نفسه عاجزا عن الحركة تماما ، لكونه بات أسير حالة إكلينيكية عاجزة و بتحجر رهيب ، سقوطا كاسحا في شبه غيبوبة عميقة ، وعلى نحو يسمع كل شيء ، ولكنه عاجز عن الرد أو المحاورة ، ولا حتى إمكانية إعطاء إشارة حياة بتحريك الأجفان ـــ على الأقل ..

ولكن ما كان يواسيه حقا تصوره بإن المئات من المتابعين و الصديقات و الأصدقاء الفيسبوكيين سيتفقدونه حتما ، فهو الذي كان مجرد أن ينشر أي شيء حتى تتساقط على منشوره مئات لايكات في غضون أقل من ساعة بغض النظر عن قيمة أو سطحية ما ينشره ، و الذي كان ــ في أغلبه ، عموما ، منقولا أو منسوخا من صفحات أخرى ..

الأمر الذي جعله يتخيل كيف تراكمت عنده الآن على ” الخاص في المسنجر ــ مئات رسائل استفسار عن أسباب غيابه المفاجئ منذ أسابيع طويلة ، يرسلها مئات من متابعيه، وهم يحرصون على أن يعبروا عن قلقهم لهذا الغياب المفاجئ ..

و بما إنه ــ احيانا ــ مثلما تحدث فجأة معجزات غير متوقعة أو مفهومة ـــ فإن القدر يبدو قد اصبح رحيما به و عطوفا عليه ، بشكل استثنائي ، من حيث جعله يستعيد وعيه و عافيته شيئا فشيئا ، حتى تمّكن من تحريك أصابع يديه في البداية ، كبادرة تحسن تدريجي وواعد ، ثم يغمغم بكلمات غير مفهومة ، استجابة لمخاطبات أهله ، حتى بات في وضع جيد ، لحد يمّكنه من الدخول إلى حسابه الفيسبوك ، وهو مدفوع بفضول شديد لمعرفة كم من مئات من المتابعين أسرعوا إلى تفقده في غيابه ، ولكن فما كانت دهشته حينما لم يجد ولا مستفسرا واحد من أولئك الصديقات و الأصدقاء الذين:
ــــ سرعان ما نسوني و كأني لم أكن موجودا على الإطلاق ــ تمتم مع نفسه باستغراب !
..
طبعا .. باستثناء رسالة موجهة واحدة تتمنى له جمعة مباركة ، حيث اعتاد على تلقيها ــ أوتوماتيكيا ــ عبر سنين طويلة دون أن يرد عليها ..

فآنذاك خطر على باله قول صديقه الذي قال عن قناعة و يقين قاطعين :
ــــ إن شهرة الفيس بوك مثل فقاعة ما أن تطير لحظة ، حتى تتفجر متناثرة في الهواء ، ثم متلاشية و زائلة عن الأنظار إلى الأبد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here