آيات قرآنية عن الموت (ح 41) (أفما نحن بميتين)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله جل جلاله “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ” ﴿الصافات 58﴾ بِمَيِّتِينَ: بِ حرف جر، مَيِّتِينَ اسم. أحقًا أننا مخلَّدون منعَّمون، فما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى في الدنيا، وما نحن بمعذَّبين بعد دخولنا الجنة؟ إنَّ ما نحن فيه من نعيم لهُوَ الظَّفَر العظيم. وجاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ” ﴿الصافات 58﴾ معناه أن هذا المؤمن يقول لهذا القرين على وجه التوبيخ والتقريع أ ليس كنت في الدنيا تقول أنا لا نموت إلا الموتة التي تكون في الدنيا ولا نعذب فقد ظهر الأمر بخلاف ذلك وقيل أن هذا من قول أهل الجنة بعضهم لبعض على وجه إظهار السرور بدوام نعيم الجنة.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ” ﴿الصافات 58﴾ الاستفهام للتقرير والتعجيب، والمراد بالموتة الأولى هي الموتة عن الحياة الدنيا وأما الموتة عن البرزخ المدلول عليها بقوله: “رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ” (غافر 11) فلم يعبأ بها لأن الموت الذي يزعم الزاعم فيه الفناء والبطلان هو الموت الدنيوي. والمعنى على ما في الكلام من الحذف والإيجاز ثم يرجع القائل المذكور إلى نفسه وأصحابه فيقول متعجبا أ نحن خالدون منعمون فما نحن بميتين إلا الموتة الأولى وما نحن بمعذبين؟. قال في مجمع البيان: ويريدون به التحقيق لا الشك وإنما قالوا هذا القول لأن لهم في ذلك سرورا مجددا وفرحا مضاعفا وإن كان قد عرفوا أنهم سيخلدون في الجنة وهذا كما أن الرجل يعطي المال الكثير فيقول مستعجبا: كل هذا المال لي؟ وهو يعلم أن ذلك له وهذا كقوله: أ بطحاء مكة هذا الذي. أراه عيانا وهذا أنا؟. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ” ﴿الصافات 58﴾ يتحدث فرحا بما أصاب، ويقول: تجاوزنا الامتحان بنجاح، وللَّه الحمد. فلا موت ولا أتعاب بعد اليوم. لا شيء إلا نعمة اللَّه ورضوانه، وفي هذا المعنى قوله: “لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولى ووَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (الدخان 57).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ” ﴿الصافات 58﴾ هنا يلقي نظرة اُخرى إلى صديقه في جهنّم، ويقول له موبّخاً إيّاه: ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأنّنا لا نموت (أفما نحن بميّتين) سوى مرّة واحدة في الدنيا، وبعدها لا حياة اُخرى ولا عذاب “إلاّ موتتنا الاُولى وما نحن بمعذّبين”. الآن انظر ولاحظ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه فبعد الموت كانت هذه الحياة وهكذا ثواب وعقاب، والآن توضّحت لك كافة الحقائق، ولكن ما الفائدة فليس هناك طريق للعودة. طبقاً لتفسير الآيتين الأخيرتين، فإنّ حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم، كان مركزاً على تذكيره بإنكاره للمعاد في الحياة الدنيا. لكن بعض المفسّرين يحتملون وجود تفسير آخر للآيتين المذكورتين، وهو أنّه بعد إنتهاء حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم، يعود إلى أصحابه في الجنّة للتسامر فيما بينهم، فيقول أحدهم من شدّة الفرح: أحقّاً أنّنا لن نموت مرّة اُخرى؟ وأنّنا سنعيش هنا خالدين؟ وهل أنّه بعد الموت الأوّل لا يوجد موت آخر، وتبقى هذه النعم الإلهيّة معنا، وما نحن بمعذّبين؟ بالطبع هذا الكلام ليس مصدره الشكّ والتردّد، إنّما هو نتيجة شدّة الفرح والسرور، فمثلهم كمثل الإنسان الذي يحصل بعد مدّة من الأمل والإنتظار على بيت واسع وفخم، فيقول وهو متعجّب: كلّ هذا لي؟ ياربّي ما هذه النعمة وهل ستبقى عندي؟ على كلّ حال، هنا اختتم الحديث بجملة عميقة المعاني وحسّاسة ومؤثّرة جدّاً، ومؤكّدة بأنواع التأكيدات “إنّ هذا لهو الفوز العظيم”. ما أعظم هذا الفوز الذي يغرق فيه الإنسان بنعمة الخلود والحياة الأبدية، وتشمله الألطاف الإلهية؟ وماذا يتصوّر أفضل وأعظم من ذلك؟

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم ‌السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الآخرة: الآخرة، عالم يأتي بعد عالم الدنيا، وبعد الموت. فتعد الآخرة في قبال الدنيا، والاعتقاد بها يعد من أصول دين الإسلام، ومن لا يعتقد به فهو ليس مسلما، وقد أكد القرآن على أهمية الآخرة، وورد فيه أن الإيمان بالآخرة من ركائز دعوة جميع الأنبياء، كما أن أكثر من ثلث آيات القرآن تتعلق بالآخرة. ذكرت الكتب الكلامية للمسلمين الآخرة تحت عنوان المعاد، وأوردت دلائل نقلية وعقلية لإثباتها. وبناء على آيات القرآن يعتبر علماء المسلمين أن الآخرة لها عالم آخر يختلف تماما عن الدنيا، وذكروا خصائص لها، منها: الخلود، والفصل بين المحسنين والمسيئين، ورؤية نتائج الأعمال، والانتفاع من نعمها حسب الاستحقاق. وهناك من علماء المسلمين يعتقدون أن الآخرة تبدأ بعد نهاية حياة الدنيا، لكن جماعة أخرى تقول أن الآخرة هي قائمة الآن في الدنيا، بل هي محيطة بها. تعريفها: الآخرةُ مؤنّث الآخِر، والآخرة والآخر نقيض المتقدّم والمتقدّمة، وهو عالم آخر يأتي بعد هذا العالم. ويسمّي القرآن الكريم الحياة قبل الموت بالحياة الأولى، والحياة ما بعد الموت بالحياة الآخرة. وغالباً ما تذكر (الآخرة) بهذا اللفظ بدون قيد في القرآن فقد وردت 104 مرة، وقد يرد لفظ دار الآخرة، ويوم الآخر لمعنى عالم الآخرة.

تكملة للحلقات السابقة جاء في موقع طريق الاسلام عن (18) أنبياء وصحابة دفنوا في بيت المقدس: المشهور أن يوسف عليه السلام دفن في مدينة نابلس في فلسطين، لكن لا يعلم مكان قبره وعينه تحديدا، ولا حتى بقية قبور الأنبياء، وكما يذكر أن نبي الله شعيب مدفون في حطين بطبرية. بوب الإمام البخاري بابا بعنوان” باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها”، ثم ذكر حديث أبي هريرة في الصحيحين قال: (ُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ). وكما تعلمون أن موسى عليه السلام مات في فترة التيه، بعد خذلان قومه من دخول الأرض المقدسة، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا بَقِيَّةُ مَا تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ مِنَ الْحَرَمَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا يُمْكِنُ مِنْ مَدَافِنِ الْأَنْبِيَاءِ وَقُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَيَمُّنًا بِالْجِوَارِ وَتَعَرُّضًا لِلرَّحْمَةِ النَّازِلَةِ عَلَيْهِمُ اقْتِدَاءً بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وهكذا لما لم يتسن لموسى عليه السلام دخول الأرض المقدسة وتحريرها من الوثنيين، سأل الله أن يدفن بأطرافها، ومن قارب الشيء فله حكمه. وهذا فيه إشارة واضحة ودلالة كبيرة على مكانة تلك الأرض المقدسة في نفوس الأنبياء في حياتهم وبعد مماتهم، قال النووي: وَأَمَّا سُؤَالُهُ الْإِدْنَاءَ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَدْفُونِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْإِدْنَاءَ وَلَمْ يَسْأَلْ نَفْسَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فَيَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ الدَّفْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَوَاطِنِ الْمُبَارَكَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ مَدَافِنِ الصَّالِحِينَ والله اعلم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here