آيات قرآنية عن الموت (ح 42) (الذي خلق الموت والحياة)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” ﴿الملك 2﴾ خلق الموت: أوْدَه. أو قدّرَه أزلاً. خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ: أوجدهما وقدرهما أزلا. الذي خلق الموت والحياة، ليختبركم أيها الناس: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ” وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” (الملك 2) “الذي خلق الموت” في الدنيا “والحياة” في الآخرة أو هما في الدنيا فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الإحساس، والموت ضدها أو عدمها قولان، والخلق على الثاني بمعنى لتقدير “ليبلوكم” ليختبركم في الحياة “أيكم أحسن عملا” أطوع لله “وهو العزيز” في انتقامه ممن عصاه “الغفور” لمن تاب إليه.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” ﴿الملك 2﴾ وصف سبحانه نفسه فقال “الذي خلق الموت والحياة” أي خلق الموت للتعبد بالصبر عليه والحياة للتعبد بالشكر عليها وقيل خلق الموت للاعتبار والحياة للتزود وقيل إنما قدم ذكر الموت على الحياة لأنه إلى القهر أقرب كما قدم البنات على البنين في قوله “يهب لمن يشاء إناثا” الآية وقيل إنما قدمه لأنه أقدم فإن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الأموات كالنطفة والتراب ثم اعترضت الحياة. “ليبلوكم أيكم أحسن عملا” أي ليعاملكم معاملة المختبر بالأمر والنهي فيجازي كل عامل بقدر عمله وقيل ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا وأحسن له استعدادا وأحسن صبرا على موته وموت غيره وأيكم أكثر امتثالا للأوامر واجتنابا عن النواهي في حال حياته قال أبو قتادة سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن قوله تعالى “أيكم أحسن عملا” ما عنى به فقال يقول أيكم أحسن عقلا ثم قال أتمكم عقلا وأشدكم لله خوفا وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظرا وإن كان أقلكم تطوعا وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه تلا قوله تعالى “تبارك الذي بيده الملك” إلى قوله “أيكم أحسن عملا” ثم قال أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله وعن الحسن أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها “وهو العزيز” في انتقامه ممن عصاه “الغفور” لمن تاب إليه أولمن أراد التفضل عليه بإسقاط عقابه والتكليف إنما يصح بالترغيب والترهيب لأن معناه تحمل المشقة في الأمر والنهي.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” ﴿الملك 2﴾ الحياة كون الشيء بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك لكن الموت على ما يظهر من تعليم القرآن انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى نشأة أخرى كما تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى: “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ” (الواقعة 60-61)، فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة. على أنه لو أخذ عدميا كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظ من الوجود يصحح تعلق الخلق به كالعمى من البصر والظلمة من النور. وقوله: “ليبلوكم أيكم أحسن عملا” غاية خلقه تعالى الموت والحياة، والبلاء الامتحان والمراد أن خلقكم هذا النوع من الخلق وهو أنكم تحيون ثم تموتون خلق مقدمي امتحاني يمتاز به منكم من هو أحسن عملا من غيره ومن المعلوم أن الامتحان والتمييز لا يكون إلا لأمر ما يستقبلكم بعد ذلك وهو جزاء كل بحسب عمله. وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى أن المقصود بالذات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه فالمحسنون عملا هم المقصودون بالخلقة وغيرهم مقصودون لأجلهم. وقد ذيل الكلام بقوله: “وهو العزيز الغفور” فهو العزيز لأن الملك والقدرة المطلقين له وحده فلا يغلبه غالب وما أقدر أحدا على مخالفته إلا بلاء وامتحانا وسينتقم منهم وهو الغفور لأنه يعفو عن كثير من سيئاتهم في الدنيا وسيغفر كثيرا منها في الآخرة كما وعد. وفي التذييل بالاسمين مع ذلك تخويف وتطميع على ما يدعو إلى ذلك سياق الدعوة. واعلم أن مضمون الآية ليس مجرد دعوى خالية عن الحجة يراد به التلقين كما ربما يتوهم بل هي مقدمة قريبة من الضرورة أو هي ضرورية تستدعي الحكم بضرورة البعث للجزاء فإن الإنسان المتلبس بهذه الحياة الدنيوية الملحوقة للموت لا يخلو من أن يحصل له وصف حسن العمل أو خلافه وهو مجهز بحسب الفطرة بما لولا عروض عارض السوء لساقه إلى حسن العمل، وقلما يخلو إنسان من حصول أحد الوصفين كالأطفال ومن في حكمهم. والوصف الحاصل المترتب على وجود الشيء الساري في أغلب أفراده غاية في وجوده مقصودة في إيجاده فكما أن الحياة النباتية لشجرة كذا إذ كانت تؤدي في الغالب إلى أثمارها ثمرة كذا يعد ذلك غاية لوجودها مقصودة منها كذلك حسن العمل والصلاح غاية لخلق الإنسان، ومن المعلوم أيضا أن الصلاح وحسن العمل لوكان مطلوبا لكان مطلوبا لغيره لا لنفسه، والمطلوب بالذات الحياة الطيبة التي لا يشوبها نقص ولا يعرضها لغو ولا تأثيم فالآية في معنى قوله: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً” (الأنبياء 35).

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” ﴿الملك 2﴾ من أين جاءت الحياة؟ وكيف ذهبت؟ لا تفسير لذلك إلا بوجود الحي الذي لا يموت. أنظر ج 3 ص 231 فقرة “من أين جاءت الحياة”؟. أما الحكمة من الحياة في الدنيا ثم الموت ثم البعث فهي ان تظهر أفعال الإنسان في دنياه، ويثاب عليها أو يعاقب في آخرته. وفي الحديث ان رسول اللَّه صلى الله عليه واله وسلم حين تلا هذه الآية فسرها بقوله: (أيكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم اللَّه، وأسرع إلى طاعته).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل وعلا “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” ﴿الملك 2﴾ يشير سبحانه في الآية اللاحقة إلى الهدف من خلق الإنسان وموته وحياته، وهي من شؤون مالكيته وحاكميته تعالى فيقول: “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا”. “الموت”: حقيقته الانتقال من عالم إلى عالم آخر، وهذا الأمر وجودي يمكن أن يكون مخلوقا، لأن الخلقة ترتبط بالأمور الوجودية، وهذا هو المقصود من الموت في الآية الشريفة، أما الموت بمعنى الفناء والعدم فليس مخلوقا، لذا فإنه غير مقصود. ثم إن ذكر الموت هنا قبل الحياة هو بلحاظ التأثير العميق الذي يتركه الالتفات إلى الموت، وما يترتب على ذلك من سلوك قويم وأعمال مقترنة بالطاعة والالتزام، إضافة إلى أن الموت كان في حقيقته قبل الحياة. أما الهدف من الامتحان فهو تربية الإنسان كي يجسد الاستقامة والتقوى والطهر في الميدان العملي ليكون لائقا للقرب من الله سبحانه، وقد بحثنا ذلك مفصلا فيما سبق. كما أن الجدير بالملاحظة في قوله ” أحسن عملا ” هو التأكيد على جانب (حسن العمل)، ولم تؤكد الآية على كثرته، وهذا دليل على أن الإسلام يعير اهتماما (للكيفية) لا (للكمية)، فالمهم أن يكون العمل خالصا لوجهه الكريم، ونافعا للجميع حتى ولو كان محدود الكمية. لذا ورد في تفسير (أحسن عملا)، روايات عدة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” أتمكم عقلا، أشدكم لله خوفا، وأحسنكم فيما أمر الله به، ونهى عنه نظرا، وإن كان أقلكم تطوعا “. حيث أن العقل الكامل يطهر العمل، ويجعل النية أكثر خلوصا لله عز وجل ويضاعف الأجر. وجاء في حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال حول تفسير (أحسن عملا): “ليس يعني أكثر عملا، ولكن أصوبكم عملا، وإنا الإصابة خشية الله والنية الصادقة. ثم قال: الإبقاء على العمل حتى يخلص، أشد من العمل، والعمل الخالص هو الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل”. وتحدثنا في تفسير الآية: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات 56)، وقلنا: أن الهدف من خلق الإنسان في تلك الآية هو العبودية لله عز وجل، وهنا نجد الهدف: (اختباره بحسن العمل). ومما لا شك فيه أن مسألة الاختبار والإمتحان لا تنفك عن مسألة العبودية لله سبحانه، كما أن لكمال العقل والخوف من الله تعالى والنية الخالصة لوجهه الكريم – والتي أشير لها في الروايات أعلاه، أثرا في تكامل روح العبودية. ومن هنا نعلم أن العالم ميدان الامتحان الكبير لجميع البشر، ووسيلة هذا الامتحان هو الموت والحياة، والهدف منه هو الوصول إلى حسن العمل الذي مفهومه تكامل المعرفة، وإخلاص النية، وإنجاز كل عمل خير. وإذا لاحظنا أن بعض المفسرين فسر (أحسن عملا) بمعنى ذكر الموت أو التهيؤ وما شابه ذلك، فإن هذا في الحقيقة إشارة إلى مصاديق من المعنى الكلي. وبما أن الإنسان يتعرض لأخطاء كثيرة في مرحلة الامتحان الكبير الذي يمر به، فيجدر به ألا يكون متشائما ويائسا من عون الله سبحانه ومغفرته له، وذلك من خلال العزم على معالجة أخطائه ونزواته النفسية وإصلاحها، حيث يقول تعالى: “وهو العزيز الغفور”. نعم، إنه قادر على كل شيء، وغفار لكل من يتوب إليه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here