الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” ﴿الواقعة 60﴾ نحن قَدَّرنا بينكم الموت، وما نحن بعاجزين عن أن نغيِّر خلقكم يوم القيامة، وننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات والأحوال. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” (الواقعة 60) “نحن قدَّرنا” بالتشديد والتخفيف “بينكم الموت وما نحن بمسبوقين” بعاجزين.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” ﴿الواقعة 60﴾ بين سبحانه أنه كما بدأ الخلق فإنه يميتهم فقال “نحن قدرنا بينكم الموت” التقدير ترتيب الأمر على مقدار أي نحن أجرينا الموت بين العباد على مقدار كما تقتضيه الحكمة فمنهم من يموت صبيا ومنهم من يموت شابا ومنهم من يموت كهلا وشيخا وهرما عن مقاتل وقيل معناه قدرناه بأن سوينا فيه بين المطيع والعاصي وبين أهل السماء والأرض عن الضحاك “وما نحن بمسبوقين” قيل أنه من تمام ما قبله أي لا يسبقنا أحد منكم على ما قدرناه من الموت حتى يزيد في مقدار حياته وقيل أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده والمعنى وما نحن بمغلوبين. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” ﴿الواقعة 60﴾ “نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ” ان مالك الموت هو مالك الحياة، والمغني هو الموجد “وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ ونُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ”. ان اللَّه سبحانه لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، وهو على كل شيء قدير، وبقدرته تعالى نقل الخلق من العدم إلى الوجود، وبها ينقلهم إلى عالم لا يعرفون عنه شيئا، ولو أراد سبحانه أن يستبدل بالعصاة من خلقه قوما مطيعين لفعل ولا راد لما أراد، وفيه تهديد ووعيد لمن أعرض وتولى عن دعوة الحق.
من الآيات التي ذكر فيها القدر ومشتقاته” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر 49)، و”إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق 3)، و”نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ” (الواقعة 60). فقدر الأشياء بيده سبحانه وهكذا قدر الموت. ان من معاني القضاء هو القدر “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” (الحديد 22)، و “نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين” (الواقعة 60). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كتب الله مقادير الخلائق).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” ﴿الواقعة 60﴾ تدبير أمر الخلق بجميع شئونه وخصوصياته من لوازم الخلق بمعنى إفاضة الوجود فوجود الإنسان المحدود بأول كينونته إلى آخر لحظة من حياته الدنيا بجميع خصوصياته التي تتحول عليه بتقدير من خالقه عز وجل. فموته أيضا كحياته بتقدير منه، وليس يعتريه الموت لنقص من قدرة خالقه أن يخلقه بحيث لا يعتريه الموت أومن جهة أسباب وعوامل تؤثر فيه بالموت فتبطل الحياة التي أفاضها عليه خالقه تعالى فإن لازم ذلك أن تكون قدرته تعالى محدودة ناقصة وأن يعجزه بعض الأسباب وتغلب إرادته إرادته وهو محال كيف؟ والقدرة مطلقة والإرادة غير مغلوبة. ويتبين بذلك أن المراد بقوله: “نحن قدرنا بينكم الموت” أن الموت حق مقدر وليس أمرا يقتضيه ويستلزمه نحو وجود الحي بل هو تعالى قدر له وجودا كذا ثم موتا يعقبه. وأن المراد بقوله: “وما نحن بمسبوقين” و- السبق هو الغلبة والمسبوق المغلوب – ولسنا مغلوبين في عروض الموت عن الأسباب المقارنة له بأن نفيض عليكم حياة نريد أن يدوم ذلك عليكم فيسبقنا الأسباب وتغلبنا فتبطل بالموت الحياة التي كنا نريد دوامها.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل وعلا “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” ﴿الواقعة 60﴾ نعم، إنّنا لن نغلب أبداً، وإذا قدّرنا الموت فلا يعني ذلك أنّنا لا نستطيع أن نمنح العمر السرمدي، بل أنّ الهدف هو أن نذهب بقسم من الناس ونأتي بآخرين محلّهم. وأخيراً نعيدكم خلقاً جديداً في عالم لا تعلمون عنه شيئاً “على أن نبدّل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون”. وفي تفسير هاتين الآيتين هناك وجهة نظر اُخرى وهي: أنّ الآية الثانية لم تأت لبيان هدف الآية الاُولى ولكن تكملة لها، حيث يريد سبحانه أن يبيّن المعنى التالي وهو: أنّنا لسنا بعاجزين ومغلوبين على أن نذهب بقسم ونأتي بآخرين مكانهم. ويوجد تفسيران لجملة (على أن نبدّل أمثالكم). الأوّل: هو نفس التّفسير المذكور أعلاه، والذي هو المشهور بين المفسّرين، وطبقاً لهذا الرأي تكون عملية تبديل الأقوام في هذه الدنيا. والثاني هو: أنّ المقصود من (أمثال) هم نفس البشر الذين يبعثون في يوم القيامة، والتعبير بـ (مثل) لأنّ الإنسان لا يبعث مرّة اُخرى بكلّ خصوصياته التي كان عليها، إذ أنّه سيكون في وقت جديد وكيفيات جديدة من حيث الروح والجسم. إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب حسب الظاهر. وعلى كلّ حال، فإنّ الهدف هو الإستدلال على المعاد من خلال مسألة الموت، ويمكن توضيح الدليل بالصورة التالية: إنّ الله الحكيم الذي خلق الإنسان وقدّر له الموت فطائفة يموتون وآخرين يولدون بإستمرار، من البديهي أنّ له هدف. فإذا كانت الحياة الدنيا هي الهدف فالمناسب أن يكون عمر الإنسان خالداً وليس بهذا المقدار القصير المقترن مع ألوان الآلام والمشاكل. وسنّة الموت تشهد أنّ الدنيا معبّراً وليست منزلا وأنّها جسر وليست مقصداً، لأنّها لو كانت مستقرّاً ومقصداً للزم أن تدوم الحياة فيها. جملة (وننشئكم فيما لا تعلمون) ظاهراً إشارة إلى خلق الإنسان يوم القيامة، والتي هي الهدف لحياة وفناء هذه الدنيا، ومن البديهي لأي شخص لم يرَ الدار الآخرة أنّه لن يستطيع إدراكها ومعرفة قوانينها والأنظمة المسيطرة عليها من خلال الألفاظ والصور التي تنقل لنا عنها، نعم إنّنا نستطيع أن نرى شبحها وظلالها فقط من التصوير اللفظي لها، ولذا فإنّ الآية أعلاه تعكس هذه الحقيقة، حيث تذكر أنّ الله سيخلقنا في عالم جديد وبأشكال وظروف جديدة لا ندرك أسرارها.
جاء في صفحة الكوفة قطب العارفين: الموت: يُعتبر الموت من الحقائق الأساسيّة في الكون، ويعاينه الإنسان فيمن حوله، وسيمر به لا محالة، وقد اهتمّ الكثير من العلماء بموضوع الموت وماهيّته وما بعده من الجزاء والثواب ومن الحساب، ويتردّد على ألسنة النبوية الكثير من الناس سؤالهم بالحكمة من موت الإنسان، وكيف يحصل الموت، ورغم تقدّم العلم واتّساع المعارف واشتهار المعدّات الطبيّة الدقيقة إلّا أنّ الموت حقيقة لا بدّ من وقوعها على كلّ إنسان، فلماذا يموت الإنسان؟ ويقول مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيـْهِ السَّلامُ: (أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختُبرتُم ولغيرها خلقتم). ويقول أيضا (موتوا قبل أن تموتوا). غاية الخلق في الدنيا هو معرفة الخالق والفناء فيه وليس البقاء في الدنيا حتى وان كانت الجنة. قال تعالى: “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ” يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، مجاهد، في قوله: “قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ” (الواقعة 60) قال:المستأخر والمستعجل. وقوله: “وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ” (الواقعة 60-61) يقول تعالى ذكره: “وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ” أيها الناس في أنفسكم وآجالكم، فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شيء من أجلنا، ولا يتأخر عنه. ابن عاشور: “نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ” (الواقعة 60).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط