الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى “يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” ﴿الأنفال 6﴾ يجادلك -أيها النبي- فريق من المؤمنين في القتال مِن بعد ما تبيَّن لهم أن ذلك واقع، كأنهم يساقون إلى الموت، وهم ينظرون إليه عِيانًا. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى “يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” (الأنفال 6) “يجادلونك في الحق” القتال “بعد ما تبيَّن” ظهر لهم، “كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون” إليه عيانا في كراهتهم له.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى “يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” ﴿الأنفال 6﴾ يجادلونك في الحق بعد ما تبين” معناه: يجادلونك فيما دعوتهم إليه، بعدما عرفوا صحته، وصدقك بما ظهر عليك من المعجزات، ومجادلتهم قولهم: هلا أخبرتنا بذلك؟ وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق وصواب، وكانوا يجادلونك فيه لشدته عليهم، يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه، أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر، وقيل معناه: يجادلونك في القتال يوم بدر، بعد ما تبين صوابه، وأنه مأمور به، عن ابن عباس. وقيل: بعدما تبين أنك يا محمد لا تصنع إلا ما أمرك الله به. “كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون” معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم، حيث لم يكونوا مستعدين له، ولكراهتهم له من حيث الطبع، كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت، وهم يرونه عيانا، وينظرون إليه وإلى أسبابه.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى “يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” ﴿الأنفال 6﴾ “يجادلونك في الحق” وقيل: إن العامل فيه معنى الحق والتقدير: هذا الذكر من الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق والمعنيان – كما ترى – بعيدان عن سياق الآية. والمراد بالحق ما يقابل الباطل وهو الامر الثابت الذي يترتب عليه آثاره الواقعية المطلوبة وكون الفعل – وهو الاخراج – بالحق هو أن يكون هو المتعين الواجب بحسب الواقع وقيل: المراد به الوحي وقيل: المراد به الجهاد وقيل غير ذلك وهي معان بعيدة. والأصل في معنى الجدل شدة الفتل يقال: زمام جديل أي شديد الفتل وسمي الجدال جدالا لان فيه نزاعا بالفتل عن مذهب إلى مذهب كما ذكره في المجمع. ومعنى الآيتين: أن الله تعالى حكم في أمر الأنفال بالحق مع كراهتهم لحكمه كما أخرجك من بيتك بالمدينة إخراجا يصاحب الحق والحال ان فريقا من المؤمنين لكارهون لذلك ينازعونك في الحق بعد ما تبين لهم اجمالا والحال انهم يشبهون جماعة يساقون إلى الموت وهم ينظرون إلى ما أعد لهم من أسبابه وادواته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من رزقه الله حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحد أنّه في الجنّة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر في الآخرة: أمّا في الدنيا، فالزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس ممّا في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزّ وجلّ، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء. وأمّا في الآخرة، فلا ينشر له ديوان، ولا ينصب له ميزان، ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، ويبيّض وجهه، ويُكسى من حلل الجنّة، ويشفّع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزّ وجلّ إليه بالرحمة، ويتوّج من تيجان الجنة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب، فطوبى لمحبّي أهل بيتي. وفي معركة الطف بدأ معسكر ابن سعد الحرب فرموا السهام فقال الامام الحسين عليه السلام لاصحابه (قوموا رحمكم الله الى الموت).
وعن جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” ﴿الأنفال 6﴾ والتعبير بالحق إشارة إلى أنّ أمر الخروج كان طبقاً لوحي الإِلهي ودستور سماوي، وكانت نتيجته الوصول إلى الحق واستقرار المجتمع الإسلامي، إلاّ أنّ هؤلاء الأفراد لا يرون إلاّ ظواهر الأُمور، ولهذا: “يجادلونك في الحق بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون”. إلاّ أنّ الحوادث التالية كشفت لهم عن خطئهم في حساباتهم، وأنّ خوفهم وقلقهم دونما أساس، وأنّ هذه المعركة (معركة بدر) حققت للمسلمين انتصارات مشرقة، فمع رؤية مثل هذه النتائج علام يجادلون في الحق وتمتد ألسنتهم بالإِعتراض؟ والتعبير بـ”فريقاً من المؤمنين” يكشف ضمناً أوّلا أن هذا التشاجر أو المحاورة لم تكن عن نفاق أو عدم إيمان، بل عن ضعف الإيمان وعدم إمتلاك النظرة الثاقبة في المسائل الإِسلامية. وثانياً: إنّ الذين جادلوا في شأن الغنائم كانوا قلّة وفريقاً من المؤمنين، غير أنّ بقيتهم وغالبيتهم أذعنوا لأمر رسول الله واستجابوا له.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط