آيات قرآنية عن الموت (ح 45) (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” ﴿المنافقون 10﴾ وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله بعض ما أعطيناكم في طرق الخير، مبادرين بذلك من قبل أن يجيء أحدكم الموت، ويرى دلائله وعلاماته، فيقول نادمًا: ربِّ هلا أمهلتني، وأجَّلت موتي إلى وقت قصير، فأتصدق من مالي، وأكن من الصالحين الأتقياء. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” (المنافقون 10) “وأنفقوا” في الزكاة “مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا” بمعنى هلا، أو لا زائدة ولو للتمني “أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّق” بإدغام التاء في الأصل في الصاد أتصدق بالزكاة “وأكن من الصالحين” بأن أحج، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” ﴿المنافقون 10﴾ “وأنفقوا مما رزقناكم” في سبيل البر فيدخل فيه الزكوات وسائر الحقوق الواجبة “من قبل أن يأتي أحدكم الموت” أي أسباب الموت “فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب” أي هلا أخرتني وذلك إذا عاين علامات الآخرة فيسأل الرجعة إلى الدنيا ليتدارك الفائت قالوا وليس في الزجر عن التفريط في حقوق الله آية أعظم من هذه وقوله “إلى أجل قريب” أي مثل ما أجلت لي في دار الدنيا. “فأصدق” أي فأتصدق و أزكي مالي وأنفقه في سبيل الله “وأكن من الصالحين” أي من الذين يعملون الأعمال الصالحة وقيل من الصالحين أي من المؤمنين والآية في المنافقين عن مقاتل وقيل من المطيعين لله والآية في المؤمنين عن ابن عباس قال ما من أحد يموت وكان له مال فلم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت قالوا يا ابن عباس اتق الله فإنما نرى هذا الكافر يسأل الرجعة فقال أنا أقرأ عليكم قرآنا ثم قرأ هذه الآية إلى قوله “من الصالحين” قال الصلاح هنا الحج وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” ﴿المنافقون 10﴾ أمر بالإنفاق في البر أعم من الإنفاق الواجب كالزكاة والكفارات أو المندوب، وتقييده بقوله: “مما رزقناكم” للإشعار بأن أمره هذا ليس سؤالا لما يملكونه دونه، وإنما هو شيء هو معطيه لهم ورزق هو رازقه وملك هو ملكهم إياه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شيء منه فيما يريد فله المنة عليهم في كل حال. وقوله: “من قبل أن يأتي أحدكم الموت” أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالإنفاق في سبيل الله. وقوله: “فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب” عطف على قوله: “أن يأتي” إلخ، وتقييد الأجل بالقريب للإشعار بأنه قانع بقليل من التمديد وهو مقدار ما يسع الإنفاق من العمر – ليسهل إجابته، ولأن الأجل أيا ما كان فهو قريب، ومن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم: كل ما هو آت قريب. وقوله: “فأصدق وأكن من الصالحين” نصب “فأصدق” لكونه في جواب التمني، وجزم “أكن” لكونه في معنى جزاء الشرط، والتقدير إن أتصدق أكن من الصالحين. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” ﴿المنافقون 10﴾ المراد بإتيان الموت ظهور أماراته ومقدماته، والمعنى بادروا الفرصة بالإنفاق مما أعطاكم اللَّه من فضله، ومن أهمل حتى يأتي يومه الأخير فإنه يعض يد الندامة، ويتضرع للَّه أن يمهله بعض الوقت. ولكن هيهات أن يرجع ما فات. وتقدم مثله في الآية 44 من سورة إبراهيم ج 4 ص 456.

عن مساعدة الايتام فهو حق واجب “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” والمال المنفق للمحتاجين ومنهم الايتام يعود على المنفق بالبركة والرزق “وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ” (المنافقون 10) ويعود عليه و عائلته في الدنيا والاخرة “إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ” و ” وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّه” والا فالندم والحسرة “أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ”.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” ﴿المنافقون 10﴾ والأمر بالإنفاق هنا يشمل كافة أنواع الإنفاق الواجبة والمستحبة، رغم قول البعض بأنها تعني التعجيل في دفع الزكاة. والطريف أنه جاء في ذيل الآية فأصدق وأكن من الصالحين لبيان تأثير الإنفاق في صلاح الإنسان، وإن فسره البعض بأنه أداء ” مراسم الحج ” كما عبرت بعض الروايات عن نفس هذا المعنى فهو من قبيل ذكر المصداق البارز. وأراد القرآن أن يلفت الأنظار إلى أن الإنسان لا يقول هذا الكلام بعد الموت، بل عند الموت والاحتظار، إذ قال: “من قبل أن يأتي أحدكم الموت”. وقال “مما رزقناكم” ليؤكد أن جميع النعم وليس الأموال فقط هي من عند الله، وأنها ستعود إليه عما قريب، فلا معنى للبخل والحرص والتقتير. على أي حال فإن هناك عددا كبيرا من الناس يضطربون كثيرا حينما يجدون أنفسهم على وشك الانتقال إلى عالم البرزخ، والرحيل عن هذه الدنيا، وترك كل ما بنوا فيها من أموال طائلة وملاذ واسعة، دون أن يستثمروها في تعمير الآخرة.

وفرصة الشباب تختلف عما في الكبر حيث يضعف البصر والجسم وتقول ياليتني “يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي” (الفجر 24) فاعمل الاعمال بدون تأخير “وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ” (المنافقون 10) واتخذ سبيل الانبياء للفوز في الدارين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here