آيات قرآنية عن الموت (ح 46) (فتمنوا الموت ان كنتم صادقين)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” ﴿الجمعة 6﴾ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ: ادعوا على أنفسكم بالموت. قل أيها الرسول للذين تمسكوا بالملة اليهودية المحرَّفة: إن ادَّعيتم- كذبًا- أنكم أحباء الله دون غيركم من الناس، فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين في ادِّعائكم حب الله لكم. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” ﴿الجمعة 6﴾ تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني، أي إن صدقتم في زعمكم أنكم أولياء لله، والولي يؤثر الآخرة ومبدؤها الموت فتمنوه.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” ﴿الجمعة 6﴾ ولما تقدم ذكر اليهود في إنكارهم ما في التوراة أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم أن يخاطبهم بما يفحمهم فقال “قل” يا محمد “يا أيها الذين هادوا” أي سموا يهودا “إن زعمتم أنكم أولياء لله” أي إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم أنصار الله وأن الله ينصركم “من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين” إنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه ثم أخبر سبحانه عن حالهم في كذبهم واضطرابهم في دعواهم وأنهم غير واثقين بذلك فقال “ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم” من الكفر والمعاصي “والله عليم بالظالمين” أي عالم بأفعالهم وأحوالهم وقد تقدم تفسير الآيتين في سورة البقرة وفيه معجزة للرسول لأنه أخبر أنهم لا يتمنون الموت أبدا لما يعرفون من صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكذبهم فكان الأمر كما قال وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال (لو تمنوا لماتوا عن آخرهم).

جاء في تفسير القرطبي: لما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا: ” نحن أبناء الله وأحباؤه ” (المائدة 18) قال الله تعالى: ” إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ” فللأولياء عند الله الكرامة. “فتمنوا الموت إن كنتم صادقين” (الجمعة 6) لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) أي أسلفوه من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فلو تمنوه لماتوا، فكان في ذلك بطلان قولهم وما ادعوه من الولاية. وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: (والذي نفس محمد بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات). وفى هذا إخبار عن الغيب، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد مضى معنى هذه الآية في ” البقرة ” في قوله تعالى: ” قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين” (البقرة 94). قوله تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. قال الزجاج: لا يقال: إن زيدا فمنطلق، وها هنا قال: ” فإنه ملاقيكم” لما في معنى ” الذي ” من الشرط والجزاء، أي إن فررتم منه فإنه ملاقيكم، ويكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه. قال زهير: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو رام أسباب السماء بسلم قلت: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله قوله: ” الذي تفرون منه ” ثم يبتدئ ” فإنه ملاقيكم “.

قوله عليه السلام (من الوالد الفان) تعبير بأن الإنسان مهما يصل بإمكانياته الكبيرة ولكن مصيره الفناء. غالبا الناس يحبون الخلود ويكرهون الموت، ولم يعلموا أن أجمل ما في المؤمن هو تمنيه الموت. فالموت في الحقيقة رحمة. يقول الامام الحسن المجتبى عليه السلام (تحفة المؤمن الموت) وكما قال الله سبحانه وتعالى “إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ” (الجمعة 6). قال الامام علي عليه السلام (فزت ورب الكعبة). ولكن المشرك يحب ان يعمر في هذه الحياة كما في قوله عز من قائل “وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ” (البقرة 96). نجد الآن آلاف الشركات تصنع مواد التجميل حتى تجعل الذي يعبر عمر الشباب أن يرجع الى ذلك العمر، فهؤلاء لا يفكرون بالموت وانما خلقوا للبقاء ولم يعلموا أن الله جل جلاله هو المتوحد بالبقاء (فيا من توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء). القهر يعني أن الدنيا كلها لو اجتمعت لا تستطيع اطالة عمر الإنسان إذا جاء أجله.

جاء في موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا عن سورة الجمعة: أمر الله رسوله، أن يقول لهم: إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم على الحق، وأولياء الله: “فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ” (الجمعة 6)) وهذا أمر خفيف، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلاً على صدقهم إن تمنوه، وكذبهم إن لم يتمنوه ولما لم يقع منهم مع الإعلان لهم بذلك، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here