الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” ﴿الأنبياء 35﴾ قال سبحانه ” وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ” يا محمد “الخلد” أي: دوام البقاء في الدنيا “أفإن مت” أنت على ما يتوقعونه وينتظرونه “فهم الخالدون” أي: أفهم يخلدون بعدك يعني مشركي مكة حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون فقال لئن مت فإنهم أيضا يموتون فأي فائدة لهم في تمني موتك ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” أي: لا بد لكل نفس حية بحياة أن يدخل عليها الموت وتخرج عن كونها حية ” وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ” أي: نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنى وبالضراء والسراء وبالشدة والرخاء عن ابن عباس وقيل بما تكرهون وما تحبون ليظهر صبركم على ما تكرهون وشكركم فيما تحبون عن ابن زيد. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام مرض فعاده إخوانه فقالوا كيف تجدك يا أمير المؤمنين قال بشر قالوا ما هذا كلام مثلك قال إن الله تعالى يقول “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً” فالخير الصحة والغنى والشر المرض والفقر وقال بعض الزهاد الشر غلبة الهوى على النفس والخير العصمة عن المعاصي “فتنة” أي: ابتلاء واختبار أوشدة تعبد “وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” أي: إلى حكمنا تردون للجزاء بالأعمال حسنها وسيئها.
جاء في معاني القرآن الكريم: موت أنواع الموت بحسب أنواع الحياة: فالأول: ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات. نحو قوله تعالى: “يحيي الأرض بعد موتها” (الروم 19)، “وأحيينا به بلدة ميتا” (ق 11). الثاني: زوال القوة الحاسة. قال: “يا ليتني مت قبل هذا” (مريم 23)، “أئذا ما مت لسوف أخرج حيا” (مريم 66). الثالث: زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة. نحو: “أومن من كان ميتا فأحييناه” (الانعام 122)، وإياه قصد بقوله: “إنك لا تسمع الموتى” (النمل 80). الرابع: الحزن المكدر للحياة، وإياه قصد بقوله: “ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت” (إبراهيم 17). |الخامس: المنام، فقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيا. فقال: “هو الذي يتوفاكم بالليل”، والموتة: شبه الجنون، كأنه من موت العلم والعقل، ومنه: رجل موتان القلب، وامرأة موتانة.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل وعلا “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” ﴿الأنبياء 35﴾ “وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ”. قال الطبرسي: لما تضايق مشركوقريش من محمد صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: نتربص به الموت. فنزلت هذه الآية لتجيبهم بأنه لا نجاة لأحد من الموت، وهل إذا مات رسول اللَّه صلى الله عليه واله وسلم تخلدون بعده أيها المشركون؟ وسياق الآية لا يأبى ما قاله الطبرسي “كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ” فهو طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، وأكرم الموت الاستشهاد من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل. “ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً وإِلَيْنا تُرْجَعُونَ”. ان اللَّه سبحانه يبتلي عباده بما يحبون وما يكرهون، ليظهر كلّ على حقيقته، فمن شكر عند الرخاء، وصبر عند الشدة فهو من المخلصين المؤمنين، وله أجرهم وثوابهم، ومن كفر وبطر فهومن الذين حقت عليهم كلمة العذاب. وقيل: ان أمير المؤمنين عليا مرض، فعاده أصحابه، وقالوا: كيف أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: بشرّ. قالوا: ما هذا كلام مثلك. قال: ان اللَّه تعالى يقول: ونبلوكم بالشر والخير فتنة، فالخير الصحة والغنى، والشر الفقر والمرض. وقال أيضا: من وسّع عليه في دنياه، ولم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله. وكلمة فتنة في الآية تأكيد لنبلوكم لأن معنى الفتنة هنا الابتلاء والاختبار، يقال: فتن الصائغ الذهب إذا أذابه ليختبر جيده من رديئه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل وعلا “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” ﴿الأنبياء 35﴾ إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير، أي انّه لا يكتب لأحد الخلود، وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك: “أفإن مت فهم الخالدون”. ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول. فإنّ شرائع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وإن لم تكن خالدة، إلاّ أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام (وبالنسبة لعيسى فإنّ شريعته إستمرت بعد صعوده إلى السّماء) لقرون طويلة. وبناءً على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبي الدائمة له، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه. وأمّا ما تصوّره اُولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنّهم أخطأوا في ظنّهم، لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم بالشخص. والإسلام لم يكن قائماً بالنّبي ولا بأصحابه. فقد كان ديناً حيّاً ـ ينطلق متقدّماً بحركة الذاتية الداخلية ويخترق حدود الزمان والمكان ويواصل طريقه. ثمّ يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون إستثناء فيقول: “كلّ نفس ذائقة الموت”. ويجب أن نذكّر بأنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة، فأوّل معنى للنفس هو الذات، وهذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات الله المقدّسة، كما نقرأ: “كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ” (الأنعام 12). ثمّ إستعملت هذه الكلمة في الإنسان، أي مجموع جسمه وروحه، مثل: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة 32). واستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في “أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ” (الأنعام 93). ومن الواضح أنّ المراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثّاني، وبناءً على هذا فإنّ المراد هو بيان قانون الموت العام في حقّ البشر، وبذلك لا يبقى مجال للإشكال على الآية بأنّ التعبير بالنفس يشمل الله أو الملائكة أيضاً فكيف نخصّص الآية ونخرج الله والملائكة منها؟.وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال، وهو: ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة؟ وأي فائدة منها؟ فيقول القرآن حول هذا الكلام: ” وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”أي إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا، بل هو مكان آخر، وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الإختبار و (الإمتحان)، وبعد إكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة. وممّا يسترعي النظر أنّ (الشرّ) مقدّم على (الخير) من بين المواد الإمتحانية، وينبغي أن يكون كذلك، لأنّ الإمتحان الإلهي وإن كان تارةً بالنعمة وأُخرى بالبلاء، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ الإمتحان بالبلاء أشدّ وأصعب. وأمّا (الشرّ) فإنّه لا يعني مطلق الشرّ، لأنّ الفرض أنّ هذا الشرّ عبارة عن وسيلة للإختبار والتكامل، وبناءً على هذا فإنّ المراد هو الشرّ النسبي، وأساساً لا يوجد شرّ مطلق في مجموع عالم الوجود بالنظرة التوحيديّة الصحيحة. ولذلك نقرأ في حديث أنّ أمير المؤمنين علياً عليه السلام مرض يوماً فجاء جمع من أصحابه لعيادته، فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: (بشرّ) قالوا: ما هذا كلام مثلك؟! قال: (إنّ الله تعالى يقول: ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة، فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض والفقر). ويبقى هنا سؤال مهمّ، وهو: لماذا يختبر الله عباده؟ وماذا يعني الإختبار من قِبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية (155) من سورة البقرة، وقلنا: إنّ الإمتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم. طالعوا التفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط