البعد الآخر لقراءة سردية متلازمة العلاقات الإنسانية بين الأسرى الإسرائيليين ومقاتلين حركة حماس!

صباح البغدادي

ساعات قليلة تفصلنا عن تطبيق اتفاقية وقف إطلاق النار بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس , التي سوف تكون بعدة مراحل متتالية , لكن ما تزال هناك تخوفات حقيقية لدى عوائل الأسرى المحتجزين حاليا في أنفاق قطاع غزة , من أن يسعى البعض من وزراء اليمين المتشدد بالمجلس الوزاري الأمني المصغر في عرقلة بقية المراحل التالية من الاتفاق , ومن خلال اختلاق ذراع لمعاودة قصف أماكن في القطاع بحجج وأعذار عديدة تختلقها القيادة العسكرية من العدم لغرض افشال الصفقة , ولكن في المقابل هناك إصرار من المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية القادمة , بأن الصفقة يجب أن تتم قبل تسلم “دونالد ترامب” المنصب ,وإلا فإن العقوبات سوف تشمل الجميع ومن يسعى لعرقلتها , هذه الرسالة الواضحة والصريحة والتهديد المبطن من قبل البيت الأبيض وساكنه الجديد القادم ,وصلت الى من يهمه الأمر في الحكومة الإسرائيلية لذا وجب التنفيذ , ومع كل هذه الضغوط التي تمارس حاليا فلا يمكن ضمان نجاح الصفقة كاملة , ومع تخوف من وجود مفاجآت غير متوقعة قد تحصل في الساعات أو الأيام القادمة!.
في هذا المقام سوف ندع أصحاب الشأن يتداولون في طريقة تنفيذ مراحل الصفقة ووقف اطلاق النار فيما بينهما على الرغم من أننا قد تطرقنا في مقالات سابقة حول هذا الموضوع , ومع هذا سوف نحاول قدر الإمكان من ناحيتنا أن نبتعد عن هذه الصيغة وأن نلقي الضوء الذي يكون خافت الإن , ولكن غدا سوف يكون ساطعآ ومتوهج جدآ ويتم تداوله في كافة وسائل الإعلام “المقروءة والمسموعة والمرئية” عندما يتم مقابلة الأسرى المطلق سراحهم على عدة مراحل وحديثهم إلى وسائل الاعلام والصحافة والذي ينتظره بفارغ الصبر رؤساء التحرير والصحفيين الإن , وما يتداولونه معهم من شجون وتحديات رافقتهم في شهور الأسر الطويلة للبقاء على قيد الحياة , التي امتدت الى ما يقارب 470 يومآ وما سوف تزيد الايام بطبيعة الحال لباقي الأسرى , وما نتوقعه لهؤلاء , وانما نؤكده بأن معظمهم أن لم نقل جميعهم الان لديهم ويعانون من مختلف الامراض النفسية والعصبية من قبيل ” اضطراب ما بعد الصدمة , الكأبة , نوبات الهلع والخوف , الكوابيس ” وعلى العكس تمامآ من ما يعانيه الاسرى والمعتقلين الفلسطنييون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية , لكن يبقى تخوفنا من أن تمارس على الأسرى أفعال الترهيب والترغيب وضغوط من قبل “الحكومة الإسرائيلية” الغرض والهدف يكون عدم أبداء رايهم من ناحية الجانب الإنساني وطريقة المعاملة التي رافقة طوال الاسر , وإنما فقط يتم لوسائل الإعلام الجوانب المظلمة والسيئة حتى ولو اضطروا أن يخلقوا لهم قصص وهمية غير حقيقية وواقعية ,لكن هدفها تشويه صورة المقاتلين لدى الراي العام والمجتمع الدولي , نحن بدورنا سوف نبتعد عن مخزى وحثيثيات هذه المواضيع , ولكن سيكون لنا فقط التوثيق الاكاديمي المحايد والمبني على رؤية سابقة , ونحاول قدر الإمكان قراءة ما بين السطور حول جوانب طبيعة العلاقات الإنسانية والشخصية التي ربطت الأسرى مع المقاتلين في ظروف وتعقيدات بالغة الصعوبة من توفير الغذاء والملبس والمأكل والدواء بالأخص لكبار السن والمرضى وكذلك طبيعة التحدي الأكبر لغرض البقاء على قيد الحياة طول فترة مدة الأسرى , والذي كان مصاحب لعمليات عسكرية من خلال القصف الشديد والمستمر وحتما كان في بعض الاوقات بالقرب من مكان أسرهم أو حتى من خلال استهداف مباشر لمكان تواجدهم داخل الأنفاق .
هذه السردية والقراءة التي نحن بصدد القاء الضوء عليها تعطي معها مجالًا واسعًا للنقاش وحتى المجادلة ولكن يجب أن لا تخرج عن سياق موضوعها , حول ما هي فحوى حقيقة الأبعاد الإنسانية التي قد تكون ما تزال تروج ومغفلة في السرديات العامة للرأي العام حول فهم حقيقة وجذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني , خاصة في جوانب سياقات معاملة الأسرى والمقاتلين فيما بينهم , وأن يسلط الضوء بدوره على تجارب العلاقات الإنسانية والشخصية المعقدة التي تشكلت بين الجانبين في تحديات طبيعة ظروف الأسر .
لذا قد تتعدد القصص والحكايات والمرويات , ليس من خلال التركيز فقط على الصراع السياسي والمواجهات العسكرية بين الطرفين، والتي قد يغيب عنها البعد الإنساني في كثير من الأحيان بصورة متعمدة أو تكون غير ذات أهمية بالنسبة للبعض , إلا أن الوقائع القادمة التي سوف تروى من قبل هؤلاء الاسرى سوف ثبت أن سردية العلاقات الإنسانية بين الأسرى والمقاتلين تعتبر دراستها بصورة محايدة وأكاديمية واحدة من أعمق وأغرب جوانب هذا الصراع والذي نعتقده سوف يبقى مفتوحا على مصراعيه وإلى ما لا نهاية , حيث تتداخل فيها المعاناة البشرية مع القيم الإنسانية للمقاتلين , مما يشكل لنا صورة لرواية مليئة بالتعقيدات والجوانب غير المتوقعة , وأن يفتح لها ليس بابا واحدة ولكن عدة أبواب حيث لدى كل أسير الآن قصة يحكها ويرويها لعائلته وأصدقائه أو حتى يضعها في رواية يكتبها بالمستقبل او تترجم إلى فيلم سينمائي او حتى مسلسل ولكن يجب أن تبقى الحيادية في هذه الروايات محايدة وعقلانية بعيدا عن تشويه الحقائق . أن النقاش حول هذا البعد الإنساني, الذي يختلط فيه الألم بالخوف , والحاجة الملحة للبقاء على قيد الحياة والحلم بالحرية ومن خلال فترة طول الأسر , فلا بد أن تتشكل صداقات أو حتى لحظات عاطفية ووجدانية بين الطرفين ” الاسير والمقاتل ” ومن حيث انهم كانوا يتشاركون الأوجاع والألم نفسه بالرغم من الاختلافات العقائدية والدينية والتوجهات السياسية.
وبما أن تنظيم حماس كحركة مقاومة تتبنى أهدافًا سياسية وعسكرية واضحة بتحرير فلسطين من النهر الى النهر ، إلا أن مقاتليها يظلون بشرا في النهاية، ويتأثرون بالحالات الإنسانية التي يمر بها الأسرى بصورة أو بأخرى ,وبالأخص أن في أدبيات حماس العقائدية يلعب الدين الإسلامي دورآ مهمآ وركيزة أساسية في صلب عملها المقاوم , بالتالي يمكن لنا تفسير هذا الجانب الديني من خلال فهم أن التعاطف مع معاناة البشر، وبغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية، هو جزء طبيعي من تكوين النفس البشرية .
أما بالنسبة للمواجهات اللفظية والجسدية التي تكون قد وقعت في بعض اللحظات والفترات وفي ظروف خارجة عن الإرادة بين الأسرى والمقاتلين، ينبغي أن نأخذ هذه الحوادث في سياقها الصحيح، بعيدًا عن التعميم أو المبالغة وفي محاولة قد ينجر البعض لهدف التشويه والتضليل لاعادة صياغتها وسردياته ، فقد كانت تلك اللحظات الحرجة نتاج طبيعة إنسانية عميقة وتوترات نفسية وعصبية ناتجة عن وضع استثنائي ومعقد يصعب عليهم التعامل معه , كان الأسرى والمقاتلين على حدآ سواء يواجهون ظروفًا قاهرة وصعبة، بما في ذلك التنقل المستمر بين الأماكن السكنية والملاجئ، بالإضافة إلى تحديات يومية أخرى وجاهها المقاتلين مثل تلبية احتياجات النظافة الشخصية، بالنسبة للنساء الأسيرات , وكانت هناك صعوبات إضافية تنجم عن القيم الدينية الإسلامية التي تحكم تصرفات المقاتلين، حيث كان من الصعب يمكن محاولة توفير كادر نسائي مستمر لرعاية الأسيرات بسبب هذه الظروف الاستثنائية، وكذلك بسبب تنقلاتهم المستمرة وسط دوي القصف الذي لا يتوقف , كانت هذه التحديات تمثل اختبارًا حقيقيًا للإنسانية في ظل أوقات شديدة القسوة، وكان الأسير والمقاتل معًا يواجهون معركة البقاء على قيد الحياة في مواجهة العواصف المدمرة من القصف الذي كان يتساقط باستمرار على أماكن تواجدهم. في النهاية، كان الهدف الأسمى لكلا الطرفين هو البقاء على قيد الحياة وعدم الغرق في خضم تلك المحن التي مرو بها , وهل كانت هناك علاقات اعجاب متبادلة بين الاسيرة والمقاتل هذا ما سوف ننتظره اليوم او غدا .

في ظل الصراع المسلح العنيف الذي نشاهده يوميا تبقى النفس البشرية ميالة إلى ان تبدي التعاطف من الذين لا حول لهم ولا قوة حيث يظهر المقاتلون تعاطفًا تجاه الأسرى , وخاصة أولئك الذين يعانون من المرض أو يحتاجون إلى الرعاية الطبية , وحتى هذه المعاملة الإنسانية التي يتبناها المقاتلين من خلال عقيدتهم الدينية هي كجزء يكون من استراتيجيات تكتيكية تهدف إلى تحطيم الصورة النمطية السلبية التي تروجها وسائل الإعلام الغربية والتي تتبنى سردية إظهار عنف وطريقة معاملة المقاتلين مع الأسرى وبالتالي إعادة صياغة إنتاج سردية مغايرة من قبل المقاتلين وتقديمها لوسائل الإعلام و المجتمع الدولي وإظهار حقيقية التعاطف والمعاملة الانسانية التي رافقت أسرهم , وأن تستخدم حتى كرسالة رمزية تُظهر أن حركة حماس ليست مجرد حركة إرهابية كما يصورها ويسوقها الإعلام الغربي للراي العام والمجتمع الدولي ، بل أيضًا أنها حركة تراعي كافة الجوانب الإنسانية والمعيشية والخدمية , واستنادا إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ,هذا السلوك الإنساني يعتبر جزءًا من عملية أكبر من أجل تحسين صورة الحركة لدى المحافل الدولية ومنظمات المجتمع المدني وفي حاضنة الشعبية للحركة في المجتمعات الفلسطينية والعربية، ومما يساهم بالتالي في تعزيز صورتها كمقاومة مشروعة تحترم المبادئ الإنسانية الاساسية وحقوق الأنسان.
من جهة أخرى، الأسرى الفلسطينيون حاليا في السجون الإسرائيلية يمكن أن يُعتبروا رمزًا للمقاومة وأداة ضغط في يد “حركة حماس” في المفاوضات فإن العلاقات الإنسانية بين الأسرى الإسرائيليين ومقاتلي حماس قد تساهم في تكوين أسس جديدة لفهم آخر للصراع لدى المجتمع الإسرائيلي ومن خلال ضغوط سياسية واجتماعية تمارس على حكومتهم بغرض محاولة إنهاء الصراع أو على الأقل العمل على عدم تكرار ما حدث يوم السابع من أكتوبر , ويمكن أن تسهم هذه الضغوط إلى البدء بمرحلة جديدة في بناء جسور التفاهم بين الطرفين؟ ومن الممكن أيضًا النظر إلى تأثير هذه العلاقات على الأجيال المقبلة من الجانبين، وكيفية تشكيل الوعي الجمعي حول قضية الاحتلال والأسر والحرية وتطبيق العدالة بين الطرفين .
هذه العلاقات تظهر أن الإنسان يمكن أن يظل إنسانًا حتى في أحلك الظروف، وأن أبعاد الصراع لا تنحصر في المعارك العسكرية والمواجهات المسلحة والخلافات السياسية فقط , بل تتسع لتشمل التفاعلات الإنسانية التي قد تقود إلى رؤى جديدة وافق للسلام والعدالة في المستقبل أذا خلصت النية لكل الطرفين.
إن المعاملة الإنسانية التي أظهرها مقاتلو حماس تجاه الأسرى الإسرائيليين الذين اطلق سراحهم سابقآ خاصة المرضى منهم , يمكن أن تكون تعبيرًا عن التفاعل الإنساني العميق الذي يطغى في كثير من الأحيان على العداوات السياسية والصراعات العسكرية فإنها تبرز فكرة أن الإنسانية يمكن أن تُظهر نفسها حتى في أكثر المواقف المواجهات تحديآ .
في متلازمة هذه السردية التي نحن بصدد مناقشتها ، وهذا السلوك الإنساني الذي يمكن أن ينظر إليه كدليل واقعي حسي ملموس على أرض الواقع بأن الإنسان لا يجب أن يفقد إنسانيته بسبب شدة وقساوة طبيعة الظروف التي يمر بها , ويمكن أن تكون هذه المواقف لحظات مستمرة من الرحمة والاحترام تتجاوز العداء التقليدي بين الطرفين , وان تدل هذه العلاقات على أن القيم الإنسانية مثل الرعاية والاحترام التي توفرت لهم وحسب الظروف التي كانوا يمرون بها يمكن أن تتواجد حتى في أحلك الظروف المصاحبة للأسر وطبيعة العلاقات فيما بينهما لتظهر أن الإنسان ومهما كان طبيعته البشرية التي يواجها أو التي يضعها القدر أمامه, أن أبعاد الصراع لا تنحصر في المعارك العسكرية والسياسية فقط , بل تتسع لتشمل التفاعلات الإنسانية التي قد تقود إلى ومن خلال سردية الاسرى المطلق سراحهم لتبني أفكار ورؤى جديدة لتحقيق السلام والعدالة في المستقبل .
وأخيرآ وليس أخرآ ومثلما كانت لدينا سابقا “متلازمة ستوكهولم” سوف تكون لدينا صيغة طبية أو عبارة أخرى في قادم الأيام تعنون بــ “متلازمة أسرى غزة” التي يمكن ترجمتها تعبيرا عن التفاعل الشخصي والحس الإنساني والعاطفة التي تطغى في كثير من الأحيان على العداوات , فإنها تبرز لنا وتشكل صورة لفكرة قد نغفل عنها في بعض الأحيان او لا ندركها , وتتلخص بان المواقف الإنسانية يمكن أن تُظهر نفسها حتى في أكثر الظروف والمواقف تعقيدا وتحديًا , لذا علينا أن نوقف استمرار هذه المسرحية العبثية التي ما تزال عرض قراءة سردية فصولها يتربح من وراءها تجار المال والسلاح والشعارات على حساب الأطفال وأمنيات مستقبلهم في أن يعيشوا بيئة أمنة وصحية متفاهمة بعيدآ عن التطرف الديني والعقائدي والصراع والمواجهات المسلحة؟!
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here