كامل سلمان
شعار جميل جداً رفعه الرئيس السابق صدام حسين في بدايات تسنمه السلطة في سبعينيات القرن الماضي وأيضاً صدر كتيب صغير بهذا العنوان تلخيصاً للمحاضرة التي ألقاها صدام وقتها لمجموعة من الشباب ، لم نكن نعلم بأن المستقبل في مخيلة صدام حسين هو الدخول في الحروب الفاشلة لحرق هؤلاء الشباب الذين كسبهم في أيام الرخاء بكلماته المزينة و كارزميته المفعمة بالحيوية . فلا شباب رأى المستقبل ولا البلد رأى المستقبل ولا حتى المستقبل يعرف من نحن ؟ فبقى المستقبل بالنسبة لنا حبيس دموع اليتامى والأرامل والراقدين في المقابر ، راح صدام وإنتهى هو وحزبه نهاية مخزية ولم تشفع له ولنا كلماته الجميلة التي كانت تطرب عقول الشباب . ذكرت هذه المقدمة لأن هذا هو العامل المشترك بين جميع قادة دول المنطقة ( السابقون واللاحقون ) يبدأون مراحل حكمهم بطرح الأحاديث الجذابة وبتنظير رائع وطروحات مذهلة وعطاءات مشهودة فيظن المحرومون الذين لم يتذوقوا طعم حلاوة الحياة بأن الدنيا قد أمطرت خيراً وأن القادم غياث المستغيثين ، وينشرح صدر من لا يعرفهم فرحاً بأنهم سينقلون دولهم إلى قمة المجد وناصية العلم وسيعطون شعوبهم العلامة الكاملة من الرقي والبناء فيهتفون بأعلى أصواتهم فداءاً للقائد المبجل ، ثم تدريجياً وبشكل درامي مرسوم بسيناريو محبوك يظهر معدنهم العفن يلحقون الأذى بالبشر والحجر إلى أن ينتهون نهاية غير مأسوف عليها ، ولكن بعد خراب البصرة كما يقال وبعد أن يذلون شعوبهم وتداس كرامة عزيزهم من النساء والرجال والولدان ليقوموا بعدها بتسليمها تراب ، وها هو أحمد الشرع نموذج أخر من النماذج التي سبقته ( جمال عبد الناصر وصدام والقذافي والنميري والأسد وعلي عبدالله صالح وغيرهم ممن ذاع صيتهم أيام الشعارات القومية ) ، بدأ بداية رائعة وبعد فترة تبان مادة الطلاء الحقيقية له ثم يدخل الشعب السوري والمنطقة في مرحلة سحق الكرامة . طبعاً ليس من حقي أن أحكم مقدماً على هذا الشخص الذي قدم هدية كبيرة للشعب السوري بإسقاطه أكبر دكتاتور مجرم مثل بشار الأسد ( رغم أنني على يقين بأن الشرع لم يدري كيف سقط الأسد لأن هناك أيادي عليا أسقطته )، ولكن مشكلتي لم أجد في قادة المنطقة الذين صعدوا سريعاً لسدة الحكم من يشذ عن هذه القاعدة وهذا النص الذي يقول ( بدايتهم حسنة ورائعة ونهايتهم سيئة ومذلة ) فهم فيه سواء . يكسبون الشباب ويكسبون الصغار الطلائع والكبار المغفلون ويكسبون الأموال والليالي الحمراء ويكسبون كل شيء ولكنهم هم أنفسهم في النهاية ومع الحلقات الأخيرة لمسلسل أدوارهم يفرطون بكل شيء . مشكلتنا تبدأ عندما يبدأ الحاكم يسوق نفسه للناس من أموال الدولة على إنه المنقذ الذي تنتظره الأمة ليكون الموعود الذي سيبني المستقبل الزاهر ، يحاسب الفاسدين بقوة ، ينادي بفرض القانون ، يخاطب الناس في كل مناسبة ليقول لهم أنا سأضحي من أجلكم لكن بالحقيقة الناس ستضحي من أجله لاحقاً ، بدايته يحيط نفسه بالمطبلين والمادحين ثم يتدخل في أمور ليست من صلب عمله (لأنه يعلم كل شيء )، يتدخل في شؤون الناس ، يتصرف بأموال الشعب وكأنها أمواله الخاصة يعطي لهذا ويحرم ذاك ، يتدخل بأمور الوزارت والجمعيات والمؤسسات العلمية والخدمية والجيش والشرطة ويباشر بتأسيس قوات النخبة الخاصة به بأسم الوطن والشعب ويعلن عن مشاريع عملاقة ليطفو على السطح ويصبح دكتاتور ثم يحشر البلد في نفق مظلم لا يعرف كيف يخرج منه . هذا السيناريو متشابه عند الجميع . حتى أصبح سيناريو ممل لكثرة تكراره . حسناً الأن وبعد أن عرفنا هذا السيناريو وتيقنا بخاتمته هل سيتم خداعنا مرة أخرى ؟ نعم سيتم خداعنا الف مرة أخرى وليست مرة واحدة لأننا صحيح أكتشفنا نوع الخدعة ولكن لم نكتشف مصادر الخدعة وطرق أنتاج الخدعة ، قد تكون أجيال الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات تعلمت الكثير من خلال الحروب التي خاضوها لكنهم فشلوا في نقل تجاربهم ونتائج تجاربهم ومحصلة فهمهم لهذه التجارب إلى الأجيال التي تلتهم إلا ما ندر . فظهر جيل جديد أعمى لا ينبهر بالقائد الذي يقودهم فحسب بل يعبدونه ويقبلون مداسات قدميه ويطيعونه بما يريد دون مقابل على العكس من صدام حسين وأمثاله الذين كانوا على الأقل يتحدثون بالثقافة ويوفرون فرص العمل ويبنون المستشفيات ويعطون الأمل للشباب فكان كسبهم للشباب استجابة طبيعية ، أما القادة الحاليون يعطون اليأس ويمنعون الماعون ويكسبون الشباب كالقطيع إلى مثواهم الأخير .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط