الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله عز وعلا “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ” ﴿المؤمنون 99﴾ يخبر الله تعالى عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في أمره تعالى، حتى إذا أشرف على الموت، وشاهد ما أُعِدَّ له من العذاب قال: رب ردُّوني إلى الدنيا. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وعلا “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ” (المؤمنون 99) “حتى” ابتدائية “إذا جاء أحدهم الموت” ورأى مقعده من النار ومقعده من الجنة لو آمن “قال رب ارجعون” الجمع للتعظيم.
جاء في تفسير التبيان للطوسي: قوله عز وعلا “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ” ﴿المؤمنون 99﴾ وقوله ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ” اخبار من الله تعالى عن أحوال هؤلاء الكفار، وانه إذا حضر أحدهم الموت، واشرف عليه سأل الله عند ذلك و “قال رب ارجعون” أي ردني الى دار التكليف “لعلي أعمل صالحاً” من الطاعات وأتلافى ما تركته، وانما قال “رب ارجعون” على لفظ الجمع لأحد امرين: احدهما – انهم استعانوا أولا بالله، ثم رجعوا الى مسألة الملائكة بالرجوع الى الله – في رواية ابن جريج. والثاني – انه جرى على تعظيم الذكر في خطاب الواحد بلفظ الجمع لعظم القدر كما يقول ذلك المتكلم، قال الله تعالى” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” وقال” ولقد خلقنا الإنسان ” وما جرى مجراه. وروى النضر بن سمأل قال: سئل الخليل عن قوله ” رب ارجعون ” ففكر ثم قال: سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه، والله أعلم، لانه جمع، فاستحسن الناس منه ذلك.
ومن الايات التي تشير الى حياة بعد الموت قبل حياة الاخرة أن مؤمن ال فرعون يذكر عن حياته في جنة البرزخ بعد الموت مباشرة “قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ” (يس 26-27). و الاية التالية جاءت قبل اية البرزخ”حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ” (المؤمنون 99) قالها في حياة البرزخ وليس الاخرة حيث يشهدون العذاب في البرزخ. ولا تأثير للزوج او الزوجة على بعضهما البعض في ثواب وعقاب الله، فهذه زوجة نوح عليه السلام تدخل النار”ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين * وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” (التحريم 10-11) بينما زوجة الطاغية فرعون تدخل الجنة وهي احدى سيدات نساء العالمين.
جاء في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين علي الصغير عن علاقة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام بالرسالة المحمدية الخاتمة: ومن خلال ما سلف يتضح بكثير من الوضوح مناخ الحياة البرزخية بأنه العالم المثالي الذي يحياه الانسان في القبر بعد موته إلى يوم القيامة، ويدل على هذا الفهم ما يستفاد من قوله تعالىٰ”حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاًّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” (المؤمنون 99-100). فهذا الطلب التذللي الاستكاني من الظالم أو الفاسق أو الكافر أو الضال”رَبِّ ارْجِعُونِ” (المؤمنون 99) عند الموت، وقد شاهد الملائكة الموكلين بقبض الأرواح لا يلتفت إليه حينئذ، فهي كلمة عابرة يقولها عند الموت، بل سيموت ولا يرجع،”وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” (المؤمنون 100)، فالبعث يوم القيامة وراءهم يطلبهم حثيثاً، وهم الآن في عالم القبر البرزخي، فلا رجوع إلى الدنيا. ويمكن استنباط حياة البرزخ من قوله تعالى “وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” (المؤمنون 45-46). فالعرض على النار في الحياة البرزخية في القبر إذ لا غد وعشياً يوم القيامة، أما في القيامة فالدخول في أشد الحساب، فسوء العذاب في البرزخ العرض على النار صباحاً ومساءً، وفي القيامة سوء الحساب بدخول النار. وفي قوله تعالى “وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لاَّ تَشْعُرُونَ” (البقرة 154). وعن البعث يقول الاستاذ محمد حسين الصغير رحمه الله: وفي هذا الضوء فإنّا نرى الحياة البرزخية حقيقة قرآنية واقعة لا محالة، لهذا ورد أن من خصائص الدفن في النجف عند أمير المؤمنين عليهالسلام، أو من آثاره، رفع عذاب البرزخ، فتأمل”وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ” (يس 51). وهذه نفخة البعث والاحياء وهي النفخة الثانية، أما النفخة الأولى فهي والثانية تتمثل في قوله تعالى “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ” (الزمر 68). وبهذا نظهر أن النفخ نفختان، الأولى للإماتة الشاملة إلا من شاء الله، والثانية للأحياء والنشور، وهو ظاهر القرآن وتدل عليه روايات الائمة عليهم السلام. هنالك يصدر نداء الملكوت الجبروتي المطلق من قبل الله تعالى “لِّمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” (المؤمنون 16). وهما سؤال وجواب منه تعالى في آن واحد، إذ لا مجيب في الكون فقد انطمسوا في ظل الفناء والموت، وبقي الحيّ القيوم وحده لبيان حقيقة الملك السرمدي. عند ذلك ينفرج الجمع في المحشر إلى فريقين أهل النار وأهل الجنة “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)” (الزمر 71-73).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط