القدوة السياسية!!

لكل أمة ومجتمع قدوة وطنية وإنسانية ترسي دعائم مسيرة الأجيال المتعاقبة , ففي أمريكا – مثلا – جورج واشنطن , كان القدوة الوطنية والسياسية التي وفقا لرؤاها وأخلاقها , تم صناعة النظام الأمريكي والبناء على ما قام به والإنطلاق نحو القوة والنماء , وفي تركيا كان مصطفى أتاتورك القدوة التي إنطلقت من مسرح رؤاه تركيا الجديدة على ما يقرب من قرن , وفي الوقت الحاضر أوجدت الأمة التركية قدوة أخرى متمثلة في شخص السيد أوردوغان.

وفي جنوب أفريقيا , أصبح السيد نلسن مانديلا قدوة سياسية وأخلاقية سارت على نهجه الأحزاب والقوى , وتفاعلت بإيجابية أدت إلى إرتقاء الوجود الإجتماعي والإقتصادي والتقدم السريع.

وفي مجتمعاتنا تغيب القدوة , فلا يوجد عندنا مَن هو أهل للقدوة.

فثورة 14 تموز عام 1958 لم تقدم قدوة حسنة , بل بدأت بالقتل والسحل وتعليق البشر على الأشهاد , وأوجدت في لا وعي الناس إقرانا ما بين تغيير النظام وسفك الدماء والتوحش الغريب , فسار على هذا النهج الدموي مَن غيروا أنظمة الحكم بعد ذلك.

وتحقق ذلك أيضا بعد عام 2003 , حيث تم إستحضار ما لا يخطر على بال من مؤهلات الفتك البشري وتدمير الإنسان , فقتلت الآلاف وهجرت الآلاف وشاع الظلم والفساد حتى صارا وكأنهما الدين.

فلم تلد المرحلة شخصا يمكنه أن يؤسس لإنطلاقة ديمقراطية ذات قيمة وطنية وإشراقية.

بل أن الذين برزوا ركبوا ظهر الأحداث والكراسي , وتفاعلوا بسلبية وبأساليب ضارة بالمجتمع والوطن وبأنفسهم , ولم يخطر على بال أحدهم أن يكون قدوة حسنة , ويأتي بأفعال ومقرارات ذات قيمة إنسانية وتأريخية.

بل أن الجميع تفتحت رغباتهم الدفينة وشراهتهم المشينة , وما عرفوا إلا كيف يملأون الجيوب والبطون ويقهرون الآخرين من أجل المزيد من الذهب , الذي ستكوى به جنوبهم وظهورهم وهم في ضلالهم سادرين.

ومن غرائب ما حصل أن المجتمع قد خاض إنتخابات يُفترض أن تكون منصفة وغير فاسدة , وفاز فيها مَن فاز , ولكن الأمور لم تتغير ولم يتمكن أي شخص أن يعطي مثلا حسنا ويؤسس لقدوة صالحة , وإنما تم نسف النتائج والتشبث بالكرسي , وبهذا سُنّت سُنة سيئة لن تشفى منها الإنتخابات مستقبلا.

لأن هذا السلوك قد أفرغ الإنتخابات من قيمتها وقوتها , ودورها السياسي وحولها إلى لعبة وضحك على الذقون.

إن غياب القدوة الصالحة من أخطر ما يواجه المجتمع , لأن أصحاب الكراسي وعلى مر العقود فشلوا في بناء القدوة الوطنية.
والسبب الأساسي هو الميل المريض نحو الفردية , والتلذذ بظلم الآخرين وإعتبار السلطة ساحة حرب بين الكراسي والشعب , وهذا ديدن التفاعلات المدمرة القاهرة الدامية في بلاد الرافدين.

فالأوطان لاتُبنى إلا بقدوة حسنة!!

د-صادق السامرائي
3\8\2011

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here