آيات قرآنية عن الموت (ح 51) (بقادر على أن يحيى الموتى)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الميسر: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿الأحقاف 33﴾ الْمَوْتَى: الْ اداة تعريف، مَوْتَى اسم. أغَفَلوا ولم يعلموا أنَّ الله الذي خلق السموات والأرض على غير مثال سبق، ولم يعجز عن خلقهن، قادر على إحياء الموتى الذين خلقهم أوّلا؟ بلى، ذلك أمر يسير على الله تعالى الذي لا يعجزه شيء، إنه على كل شيء قدير. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ” بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الأحقاف 33) “أولم يروْا” يعلموا، أي منكرو البعث “أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يَعْيَ بخلقهن” لم يعجز عنه “بقادر” خبر أن وزيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أليس الله بقادر “على أن يحيي الموتى بلى” هو قادر على إحياء الموتى “إنه على كل شيءٍ قدير”.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿الأحقاف 33﴾ قال سبحانه منبها على قدرته على البعث والإعادة فقال “أ ولم يروا” أي أ ولم يعلموا “أن الله الذي خلق السماوات والأرض” وأنشأهما “ولم يعي بخلقهن” أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء ولا تعب ولم يعجز عنه يقال عيي فلان بأمره إذا لم يهتد له ولم يقدر عليه “بقادر” الباء زائدة وموضعه رفع بأنه خبر إن “على أن يحيي الموتى” أي فخلق السماوات والأرض أعجب من إحياء الموتى. ثم قال “بلى” هو قادر عليه “إنه على كل شيء قدير”.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿الأحقاف 33﴾ الآية وما بعدها إلى آخر السورة متصلة بما تقدم من قوله تعالى: “ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم” إلخ، وفيها تتميم القول فيما به الإنذار في هذه السورة وهو المعاد والرجوع إلى الله تعالى كما أشرنا إليه في البيان المتقدم. والمراد بالرؤية العلم عن بصيرة، والعي العجز والتعب، والأول أفصح على ما قيل، والباء في “بقادر” زائدة لوقوعها موقعا فيه شائبة حيز النفي كأنه قيل: أ ليس الله بقادر. والمعنى: أ ولم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعجز عن خلقهن أولم يتعب بخلقهن قادر على إحياء الموتى وهو تعالى مبدىء وجود كل شيء وحياته بلى هو قادر لأنه على كل شيء قدير، وقد أوضحنا هذه الحجة فيما تقدم غير مرة.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿الأحقاف 33﴾ هذا الكون العجيب الذي دل على قدرة الخالق وعظمته يدل أيضا وبطريق أولى على انه تعالى قادر على إحياء الموتى، لأن السبب الموجب للأمرين واحد، وهو قدرة من إذا قال للشيء كن فيكون، قال الإمام علي عليه السلام: عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وتقدم هذا المعنى في عشرات الآيات ويأتي الكثير، من ذلك قوله تعالى: “أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ” (ق 15). فكيف نعيا بالخلق الثاني؟.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿الأحقاف 33﴾ واصل هذه الآيات وهي آخر آيات سورة الأحقاف البحث حول المعاد، حيث جاءت الإشارة إلى مسألة المعاد في الآيات السابقة حكاية عن لسان مبلغي الجن. هذا من جهة. ومن جهة أُخرى فإنّ سورة الأحقاف تتحدث في فصولها الأولى عن مسألة التوحيد، وعظمة القرآن المجيد، وإثبات نبوة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، وتبحث في آخر فصل من هذه السورة مسألة المعاد لتكمل بذلك البحث في الأصول الاعتقادية الثلاثة. فإنّ خلق السماوات والأرض مع موجوداتها المختلفة المتنوعة علامة قدرته تعالى على كلّ شيء، لأنّ كل ما يقع في دائرة مخلوق لله في هذا العالم، فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يكون عاجزاً عن إعادة حياة البشر؟ وهذا بحدِّ ذاته دليل قاطع مفحم على مسألة إمكان المعاد. وأساساً فإنّ أفضل دليل على إمكان أي شيء وقوعه، فكيف ندع إلى أنفسنا سبيلاً للشك في قدرة الله المطلقة على مسألة المعاد ونحن نرى نشأة الموجودات الحية وتولدها من موجودات ميتة، وعلى هذا النطاق الواسع؟ هذا أحد أدلة المعاد العديدة التي يؤكد عليها القرآن ويستند إليها في آيات مختلفة، ومن جملتها الآية (81) من سورة يس (2).

جاء في صفحة جعفر مرتضى العاملي عن تفسير سورة الفاتحة: فالاعتقاد بيوم الدين هو الأساس، في شعور الإنسان بالمسؤولية عن التغيير في كل حياته، وليدخل في دائرة التعبد والانقياد الحقيقي لله، والانصياع لكل أمر ونهي ونفي أي عبودية لغيره تعالى: من شخص أو مقام، أو مال، أو هوى، أو صنم، أو أي شيء له تأثير بدرجة ما على سلوك ومواقف الإنسان، حيث لا بد أن يكون التأثير لله وحده، والعبودية الخالصة له تعالى دون غيره. ثم يطلب الاستعانة المطلقة به، والهداية منه. ولهذا نجد أنهم حينما ظهر الإسلام في مكة، كانت ثورتهم الحقيقية و العارمة ضد الإيمان بالمعاد والجزاء والقيامة. لأنها تستهدف التغيير الكامل والشامل في كل شيء في حياتهم. ومما زاد في حنقهم أنهم رأوها تجد آذاناً صاغية لدى الكثيرين، فزاد خوفهم ورعبهم. ولذلك نجد أن القرآن الكريم لم يزل يؤكد على البحث والجزاء والقيامة. ويضرب لهم الأمثال الإقناعية لذلك ولا يزيدهم ذلك إلا إصراراً وجحوداً وعناداً. قال تعالى: “إن هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين”. وقال سبحانه: “وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال: من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة، وهو بكل خلق عليم”. وقال عز وجل: “أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يَعْيَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى” (الأحقاف 33). وقال عز شأنه: “إنا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم”. ثم بيّن سبحانه سبب إنكارهم ليوم القيامة، فقال: “لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة. أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه. بل يريد الإنسان ليفجر أمامه. يسأل أيان يوم القيامة. فإذا برق البصر.”. إذن، فهم ينكرون يوم القيامة، لأنهم يريدون أن يبرروا فجورهم وانحرافهم، وكل تصرفاتهم. وأن يبرروا إصرارهم على مواصلة هذا الفجور في المستقبل. وبعد كل ما تقدم فإننا نعرف سبب شدة اليهود والمشركين في عداوتهم لأهل الإيمان. قال تعالى: “لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، والذين أشركوا”. فإن توراتهم تلك المحرّفة لم تتعرض ليوم القيامة أبداً. نعم قد تحدثت في مورد عن وادي الهلاك. ولذلك نجد أن اليهود عموماً لا يعتقدون بيوم القيامة، والذين يعتقدون به منهم فإنهم ليس لديهم بالأمر الواضح في مغزاه ومرماه وفي تفاصيله. ولذا فإن اليهود يرون أن خسارتهم للدنيا لا يعوضها شيء، فكانت الدنيا كل همهم، وكانوا: “أحرص الناس على حياة” مهما كانت تافهة وحقيرة. ثم جاءت تعاليمهم لتزيد من غرورهم، ومن إحساسهم بفرديتهم التي عبّر عنها القرآن بقوله: “بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى”. فزاد ذلك من حبهم للدنيا، وزاد من كرههم لأهل الإيمان، لأنهم هم الذين تخلوا عن خصوصياتهم الفردية ليذوبوا في المجتمع، وليكونوا قوة حقيقية يخشاها اليهود أشد الخشية، ولذلك عادوها أشد العداء حتى أكثر من عداء المشركين. ولذلك ذكرهم الله قبل أن يذكر المشركين: اليهود والذين أشركوا. ويلاحظ أنه لم يقل: اليهود، والمشركون. وذلك ليشير إلى أن الشرك قد جاء على خلاف الفطرة، وقد خرجوا بشركهم عن فطرة الله باختيارهم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here