آيات قرآنية عن الموت (ح 52) (مبعوثون من بعد الموت)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ” ﴿هود 7﴾ قد خلق الله سبحانه السماوات السبع في برهتين من الزمان كما قال في الأرض: “خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ” إلى أن قال “وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام” (فصلت 10) فأنبأ عن خلقها في يومين وهما عهدان وطوران وجعل الأقوات في أربعة أيام وهي الفصول الأربعة. فالمتحصل من الآيات أولا: أن خلق السماوات والأرض على ما هي عليه اليوم من الصفة والشكل لم يكن عن عدم بحت بل هي مسبوقة الوجود بمادة متشابهة مركومة مجتمعة ففصل بعض أجزائها عن بعض فجعلت أرضا في برهتين من الزمان وقد كانت السماء دخانا ففصلت وقضيت سبع سماوات في برهتين من الزمان. وثانيا: أن ما نراه من الأشياء الحية إنما جعلت من الماء فمادة الماء هي مادة الحياة. وبما قدمنا يظهر معنى الآية التي نحن فيها فقوله: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” المراد بخلقها جمع أجزائها وفصلها وفتقها من سائر ما يختلط بها من المادة المتشابهة المركومة، وقد تم أصل الخلق والرتق في السماوات في يومين وفي الأرض أيضا في يومين ويبقى من الستة الأيام يومان لغير ذلك. وأما قوله: “وكان عرشه على الماء” فهو حال والمعنى وكان عرشه يوم خلقهن على الماء وكون العرش على الماء يومئذ كناية عن أن ملكه تعالى كان مستقرا يومئذ على هذا الماء الذي هو مادة الحياة فعرش الملك مظهر ملكه، واستقراره على محل هو استقرار ملكه عليه كما أن استواءه على العرش احتواءه على الملك وأخذه في تدبيره. وقول بعضهم: إن المراد بالعرش البناء أخذا من قوله تعالى: “مما يعرشون” (النحل 68) أي يبنون كلام بعيد عن الفهم. قوله تعالى: “ليبلوكم أيكم أحسن عملا” اللام للغاية والبلاء الامتحان والاختبار، وقوله: “أيكم أحسن عملا” بيان للاختبار والامتحان في صورة الاستفهام والمراد أنه تعالى خلق السماوات والأرض على ما خلق لغاية امتحانكم وتمييز المحسنين منكم من المسيئين. ومن المعلوم أن البلاء والامتحان أمر مقصود لغيره وهو تمييز الجيد من الردي والحسن من السيىء، وكذلك الحسنة والسيئة إنما يراد تمييزهما لأجل ما يترتب عليهما من الجزاء، وكذلك الجزاء إنما يراد لأجل ما فيه من إنجاز الوعد الحق ولذلك نجده تعالى يذكر كل واحد من هذه الأمور المترتبة غاية للخلقة فقال في كون الابتلاء غاية للخلقة:”إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” (الكهف 7)، وقال في معنى التمييز والتمحيص: “ليميز الله الخبيث من الطيب” (الأنفال 37)، وقال في خصوص الجزاء: “وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ:” (الجاثية 22) وقال في كون الإعادة لإنجاز الوعد:”كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين:” (الأنبياء 104) إلى غير ذلك من الآيات، وقال في كون العبادة غرضا في خلق الثقلين:”وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات 56). وعد العمل الصالح أو الإنسان المحسن غاية للخلقة لا ينافي اشتمال الخلقة على غايات أخرى بعد ما كان الإنسان أحد تلك الغايات حقيقة لأن الوحدة والاتصال الحاكم على العالم يصحح كون كل واحد من أنواع الموجودات غاية للخلقة بما أنه محصول الارتباط ونتيجة الازدواج العام بين أجزائه فمن الجائز أن يخاطب كل نوع من أنواع الخليقة أنه المطلوب المقصود من خلق السماوات والأرض بما أنها تؤدي إليه.

ويستطرد العلامة السيد الطباطبائي عن تفسير الآية هود 7 قائلا: أن الإنسان أكمل وأتقن المخلوقات الجسمانية من السماوات والأرض وما فيهما صنعا ولئن نمى في جانب العلم والعمل نماء حسنا كان أفضل ذاتا مما سواه وأرفع مقاما وأعلى درجة من غيره وإن كان بعض الخليقة كالسماء أشد منه خلقا كما ذكره الله تعالى ومن المعلوم أن كمال الصنع هو المقصود منه إذا اشتمل على ناقص ولذا كنا نعد مراحل وجود الإنسان المختلفة من المنوية والجنينية والطفولية وغيرها مقدمة لوجود الإنسان السوي الكامل وهكذا. وبهذا البيان يظهر أن أفضل أفراد الإنسان إن كان فيهم من هو أفضل مطلقا غاية لخلق السماوات والأرض، ولفظ الآية أيضا لا يخلو عن إشارة أودلالة على ذلك فإن قوله:”أيكم أحسن عملا” يفيد أن القصد إلى تمييز من هو أحسن عملا من غيره سواء كان ذلك الغير محسنا أو مسيئا فمن كان عمله أحسن من سائر الأفراد سواء كانوا محسنين و أعمالهم دون عمله أو مسيئين كان تمييزه منهم هو الغرض المقصود من الخلقة، وبذلك يستصح ما ورد في الحديث القدسي من خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: “لولاك لما خلقت الأفلاك” فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق. وفي المجمع،: قال الجبائي: وفي الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات والأرض والملائكة لأن خلق العرش على الماء لا وجه لحسنه إلا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به فلا بد حينئذ من حي مكلف، وقال علي بن عيسى: لا يمتنع أن يكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلفين فلا يجب ما قاله الجبائي وهو الذي اختاره المرتضى قدس الله روحه. انتهى. أقول: وما ذكراه مبنى على ما ذهب إليه المعتزلة: أن أفعال الله سبحانه معللة بالأغراض وتابعة للمصالح وجهات الحسن ولو كان ذلك بأن يخلق خلقا ليخبر بذلك المكلفين فيعتبروا به ويؤمنوا له فيتم بذلك مصلحة من مصالحهم، وقد تقدم في أبحاثنا السابقة أن الله سبحانه لا يحكم عليه ولا يؤثر فيه غيره سواء كان ذلك الغير مصلحة أوأي شيء آخر مفروض وأن غيره أي شيء فرض مخلوق له مدبر بأمره إن كان أمرا ذا واقعية ووجود إن الحكم إلا لله والله خالق كل شيء. فجهات الحسن والمصلحة وهي التي تحكم علينا وتبعثنا نحو أفعالنا أمور خارجة عن أفعالنا مؤثرة فينا من جهة كوننا فاعلين نروم بها إلى سعادة الحياة، وأما هو سبحانه فإنه أجل من ذلك. وذلك أن جهات الحسن والمصلحة هذه إنما هي قوانين عامة مأخوذة من نظام الكون والروابط الدائرة بين أجزاء الخلقة، ومن الضروري أن الكون وما فيه من النظام الجاري فعله سبحانه، ومن الممتنع جدا أن يتقدم المفهوم المنتزع على ما انتزع منه من الفعل ثم يتخطاه ولا يقنع حتى يتقدم على فاعله الموجد له. وأما ما في الآية من تعليل خلق السماوات والأرض بقوله: “لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ” ونظائره الكثيرة في القرآن فإنما هو وأمثاله من قبيل التعليل بالفوائد المترتبة والمصالح المتفرعة وقد أخبر تعالى أن فعله لا يخلو من الحسن إذ قال: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ” (السجدة 7)، فهو سبحانه هو الخير لا شر فيه وهو الحسن لا قبح عنده وما كان كذلك لم يصدر عنه شر ولا قبيح البتة. وليس مقتضى ما تقدم أن يكون معنى الحسن هو ما صدر عنه تعالى أوالذي أمر به وإن استقبحه العقل، ومعنى القبيح هو ما لا يصدر عنه أوالذي نهى عنه وإن استحسنه العقل واستصوبه فإن ذلك يأباه أمثال قوله تعالى: “قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ” (الأعراف 28).

ويستمر السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان عن الآية المباركة هود 7 مبينا: قوله تعالى: “وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ” لما كان قوله:”ليبلوكم”إلخ، يشير إلى المعاد أشار إلى ما كان يواجه به الكفار ذكره صلى الله عليه وآله وسلم للمعاد برميه بأنه سحر من القول. فظاهر الآية أنهم كما كانوا يسمون لفظ القرآن الكريم بما فيه من الفصاحة وبلاغة النظم سحرا، كذلك كانوا يسمون ما يخبر به القرآن أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حقائق المعارف التي لا يصدقه أحلامهم كالبعث بعد الموت سحرا، وعلى هذا فهو من مبالغتهم في الافتراء على كتاب الله والتعنت والعناد مع الحق الصريح حيث تعدوا عن رمي اللفظ لفصاحته وبلاغته بالسحر إلى رمي المعنى لصحته واستقامته بالسحر. ومن الممكن أن يكون المراد بالسحر المغالطة والتمويه بإظهار الباطل في صورة الحق على نحو إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لكن لا يلائمه ظاهر قوله تعالى في نظير المورد: “قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون” (المؤمنون 89).

أشار الله سبحانه و تعالى الى خلق الأرضَ و السماوات في ستة أيام في سبعة مواضع من القرآن الكريم منها هذه الاية المباركة قال الله تعالى “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ” (هود 7) عن الشيخ صالح الكرباسي في صفحته الالكترونية المقصود من هذه الأيام حسب بعض الروايات و حسب ما قاله المُفسرون هو أنه عزَّ و جل خلق الأرض و السماوات و ما بينهما في ستة مراحل و أوقات، و هذه المراحل و الأوقات (اليوم أو الأيام) قد تكون طويلة جداً، كما في قول الله عزَّ ذكره: ” تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ “، (سورة المعارج: 4) و ليس المقصود منها اليوم الذي هو 24 ساعة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here