حملات دعوية تثير جدلاً وتوترات في دمشق


2025-01-22
ميدان البطيخة الشهير في دمشق بعد تلوينه بألوان علم الثورة السورية (فرانس برس)
في مشهد غير معتاد في شوارع دمشق، انطلقت مجموعات من الأشخاص في جولات دعوية تحمل رسائل تدعو للإسلام والحجاب، في عدد من أحياء مدينة دمشق.

تسببت هذه الدعوات بجدال واسع، وصل في بعض الحالات إلى مواجهات وعراك، ما استدعى تدخل قوات الأمن العام التابع للإدارة السورية الجديدة.

وأثارت هذه المبادرات المخاوف عند البعض من تأثيراتها على التنوع الاجتماعي والهوية الثقافية في المدينة.

وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لأشخاص يجوبون شارعا في حي القصاع ذو الغالبية المسيحية في دمشق، ويدعون إلى اعتناق الإسلام، وترك التدخين والفصل بين الجنسين، ما تسبب بمشاجرة بينهم وبين أبناء الحي المسيحي، مما استدعى تدخل قوات الأمن العام لفض الخلاف.

وسرعان ما تدخلت الإدارة الجديدة من خلال اجتماعها بوجهاء أحياء القصاع وباب توما، وقالوا خلال اجتماعهم معهم أن هذه حالات فردية وليست منظمة، وأن من قام بها هم أشخاص مجهولين، وأكدوا لهم على أن لا يسمحوا لأحد أن يتحدث معهم أو يجبرهم على شيء.

فيما انتشر فيديو آخر لشخص يحمل القرآن ويدعو للإسلام في حي باب توما ذو الغالبية المسيحية.

كما انتشرت ملصقات تم لصقها على وسائل النقل والأشجار وتوزيعها في شوارع دمشق، تدعو لارتداء الحجاب، واللباس المحتشم والفضفاض.

فردية وغير ممنهجة

تباينت آراء السوريين حول هذه الحوادث، فمنهم من اعتبر أنه موضوع عادي جدا وأن الدعوات التبشيرية هي أفعال موجودة في معظم بلدان العالم ومنتشرة بكثرة، ودعوا في ذات الوقت أن تكون مضبوطة ومنظمة بشكل يليق بسوريا، بينما رأى فيها آخرون أنها تمس بخصوصيتهم الدينية، وبخصوصية الحالة السورية، رافضين هذه الممارسة وداعين لإيقافها.

الناشطة في المجتمع المدني عُلا حربا المقيمة في دمشق، أشارت خلال حديثها مع الحرة إلى أن الشخص الذي كان يحمل القرآن ويسير في حي باب توما هو مريض نفسي وتم أخذه للمشفى.

ولكنها أكدت في ذات الوقت على وجود هذا النوع من المبادرات في دمشق، “حملة اللباس الشرعي والدعوة للحجاب صحيحة، وكذلك موضوع السيارة التي تجوب الشوارع وعليها كتابات تدعو للاحتشام والالتزام بالدين الإسلامي صحيحة أيضاً وحدثت في عدد من الأحياء”.

وترى عُلا أن الإضاءة والتركيز على هذا النوع من المواضيع يمكن أن يكون سيئا، لأن ما يتم انتقاده ورفضه اليوم في سوريا يتم إصلاحه بشكل فوري، بحسب قولها.

وتوضح الناشطة عُلا أن السبب في الاختلاف على هذا النوع من المبادرات، هو أنها لا تشبه عادات وتقاليد أهالي مدينة دمشق، ولا تُشبه العُرف السائد في المجتمع الذي اعتادت عليه الناس في الدعوة للدين.

وتضيف، “الثورة في سوريا ثورة كرامة وحرية رأي ومبادئ وقيم إنسانية سامية، لا يجب أن يتم اختصارها بهذه التصرفات، وتلبيس للمرأة باللباس الأسود بشكل كامل، التدين في الشام يتّسم بالوسطية والاعتدال، ومن غير المقبول أن أجد لافتة في الشارع تعلمني كيف ألبس، بشّروا ولا تُنفروا، لا يجب أن يتم ترغيب النساء بالحجاب بهذا الشكل”.

وتؤكد، “من المهم جدا أن يتم تأكيد أن هذه الحالات فردية، لأنها غير ممنهجة ولا نقوم بإنكار وجودها، وهي غير منتشرة انتشارا كبيرا كما يقول البعض، ومن وجهة نظري طبعا هي مرفوضة، وهناك أشخاص يتقبلونها، ولكن هذا الشيء غير رائج لدينا، وإذا حدث يجب أن يكون بشكل منظم عن طريق مؤسسات خاصة بها”.
الدعوة في دور العبادة

بدورها كريستيان دخل الله المسيحية المقيمة في حي القصاع، تقول في حديثها مع الحرة أن هذه التصرفات لا تشبه دمشق خصوصاً، وأنها تفاجأت عند رؤيتها للسيارة الدعوية حين كانت تسير بجانبها، ما أثار خوفها وقلقها.

وتضيف، “الدعوة كانت في بلادنا وما زالت في دور العبادة، ونحن غير معتادين على هذا النمط من الدعوة، كأن ما يحدث اليوم يشير إلى أننا انتهينا من كل مشاكلنا وبقي عندنا الدعوة للدين، في بلدنا لا توجد بنية تحتية ولا رفاهيات ولا أي شيء متكامل، كيف يدعون الناس للتدين وهناك نقص في كل شيء، دورنا اليوم أن نكون واعيين وهادئين قدر الإمكان، وعلى الحكومة الجديدة أن تضع حداً لهذه المبادرات الخاطئة”.

مخاوف مجتمعية

الأخصائي الاجتماعي أحمد دركل المقيم في دمشق، أكد خلال حديثه مع الحرة على أن هذه المبادرات قد تؤدي إلى توترات في المجتمعات ذات التنوع الديني والثقافي، خاصة إذا تمت بطريقة غير مدروسة أو مثيرة للجدل.

ويضيف، “مثل هذه التصرفات تضعف الثقة بين الفئات المختلفة وتعرض قيم التعايش للخطر، مما يزيد من احتمالية الانقسامات الاجتماعية”.

وعن المخاوف المجتمعية من هذه المبادرات، يشير الأخصائي إلى أن هذه المخاوف مبررة، خاصة إذا كانت هذه المبادرات تمس الخصوصية أو تهدد التعايش، مؤكدا على ضرورة وجود شفافية من قبل السلطات لمعالجتها، والتأكيد من قِبلها على أن هذه الحوادث فردية وغير ممنهجة.

ويضيف، “كما أن توفير قنوات تواصل فعالة بين جميع الأطياف يساعد في تهدئة المخاوف وحل أي مشكلات بطريقة بناءة”.
وتُمثل دمشق نموذجًا فريدًا للتعايش والتنوع الثقافي والديني، مع نسيج اجتماعي معقد يُعد جزءًا أساسيًا من هويتها الحضارية.

ومع هذه الحوادث التي أثارت مخاوف البعض، والتي أظهرت حساسية المجتمع السوري تجاه قضايا التعايش والتنوع الديني، تواجه الإدارة السورية الجديدة اليوم تحديات كبيرة في حماية الأقليات والحريات الفردية، والعمل على معالجة هذا النسيج المتنوع الذي يختلف تمامًا عن الواقع في مدينة إدلب التي كانت خاضعة لسيطرتها سابقًا.

محمد الناموس

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here