بمناسبة صدور العفو العام عن لصوص المال العام : النزاهة تبدأ من تفاصيل صغيرة

بمناسبة صدور العفو العام عن لصوص المال العام : النزاهة تبدأ من تفاصيل صغيرة

بقلم مهدي قاسم
في كتابه “الرجل غير المكتمل”، يروي الكاتب المجري الراحل إليمر هانكيش قصة حدثت معه عندما كان طفلاً صغيراً ، يسافر في الترام مع جده الذي مزق التذاكر بعد النزول ، يقول فسألته مندهشا .
“ولكن لماذا فعلت ذلك يا جدو ؟ .. لماذا مزقت هذه التذاكر؟” –
فرد تلقائيا وعلى سجيته المعتادة ما معناه :
ـــ لأن ــ الجابي ــ معالج التذاكر ـــ لم يأتِ ليبّطل صلاحيتها ِ و بالتالي فلا يجوز الاحتفاظ بها ــ “..
فاعترضتُ قائلا :
ــــ “ولكن هذا مجرد ضربة حظ ـــ على الأقل ـــ لئن لم يتحتم علينا أن ندفع في هذه المرة ” .
– أيها السادة ( كان ينادينا هكذا ــ عادةً ـــ إذا قلنا أو فعلنا شيئًا غير مفيد )، عليكم شراء تذكرة عند الاستعانة بخدمات الترام…
فعلقتُ مبررا :
” لِمَ شراء التذكرة ؟ .. حينما لم يأت أي ” جابي ” ..
” ليس بسبب عدم مجيء الجابي .” إنما لكوني مواطنا من بودابست، وبالتالي فإن هذا الترام يُعد ملكي أنا أيضا ، فلماذا أحتال على نفسي ؟ ” .
انتهى النص المجري ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أما ملاحظتي أنا كمترجم انطلاقا من مضمون النص ، فهي التالية :
ـــــ بينما كنتُ أقرا باللغة المجرية هذا الكلام الحريص على المال العام ، مع تأكيد على اعتباره مالا أو ممتلكات الدولة العامة ، و بالتالي فهي تخص و تمثل ثروات كل فرد من أفراد المجتمع ، بدون أي استثناء ، و هذا يعني إن النزاهة تبدأ من تفاصيل صغيرة ، كما أنه يعني أيضا أن الثروات العامة ليست سائبة أو مالكها مجهول ،و يمكن أخذها و نهبها ـــ كما يُشير بشكل مبطن رجل الدين صباح شبر ، كأنما نوعا من تشجيع و شرعنة لسرقة المال العام ، وهو الأمر الذي ربما قد ساهم و شجّع بعض أعضاء مجلس النواب التصويت على قرار العفو العام الذي سيشمل اللصوص الكبار من أبطال مسلسل ” سرقات القرن ” الملحمية ..
ففي البداية تقاسمت أحزاب الفساد الإسلامية المال العام المسروق مع هؤلاء اللصوص ، ثم أطلقت سراحهم من خلال ضغوط غير مباشرة على جهاز القضاء ، و في نفس الوقت سهّلوا ظروف هروبهم من البلد ، و الآن اعفوا عنهم بشرط أن يرجعوا المبالغ الهائلة المسروقة بالأقساط !!.. ومسألة الأقساط هذه بحد ذاتها عملية تسويف وتعويم لشروط العفو ، إذا كيف بإمكان نور زهير ــ مثلا ــ أن يرّجع بالأقساط مئات مليارات من الدنانير المسروقة ..
و أصلا أين هي هذه المبالغ الطائلة حتى يرجّعها ؟..
لقد تبخرت في حسابات الأحزاب البنكية المجهولة الأسماء الأرقام ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here