الدكتور فاضل حسن شريف
عن موقع رئاسة جمهورية العراق: رئيس الجمهورية يهنئ بمناسبة يوم القضاء العراقي: نُهنئ السلطة القضائية بجميع العاملين فيها بمناسبة يوم القضاء العراقي ونفخر بكونه واحدا من الأنظمة القضائية العريقة في المنطقة، مؤكدين دعمنا الكامل لاستقلالية القضاء وحياديته، باعتباره عنصر أساس في حماية النظام الديمقراطي وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي.
جاء في موقع مجلس القضاء الأعلى عن مسؤولية القاضي في احترام الدستور والقانون للقاضي فائق زيدان: القضاة هم الأمناء على حسن تطبيق القانون لضمان حماية الحقوق التي على أساسها يبنى المجتمع وتسود العدالة، لذا ينبغي ان تكون سلوكيات القضاة سواء في عملهم الوظيفي أو خارجه على مستوى الأمانة المودعة لديهم، ويرتب القانون على القضاة التزامات كما هي واجبات الموظفين والمكلفين بالخدمة العامة في مختلف قطاعات الدولة باعتبار ان القاضي أيضاً مكلف بتقديم الخدمة العامة هذا فضلاً عن ان المنصب القضائي يفرض وجوده المعنوي وتمام المسؤولية على شخصية القاضي التزامات تحقق ضماناً لشرف ونزاهة عمل القضاء ومنها التزامه ببذل العناية الكافية لتجنب الخطأ وإلا أصبح عرضة للمساءلة التي تعد الأساس الحقيقي للنظام القانوني وإلا ما قيمة القانون إذا لم يكفل مساءلة المخطئ. وفي الدول التي تحترم القانون فان الجميع يخضعون لحكم القانون سواء من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية أو السلطة القضائية التي هي أولى من غيرها بالخضوع لحكم القانون باعتبارها المسؤولة عن تطبيقه إلا ان مساءلة القضاة بطبيعة الحال تختلف عن مساءلة أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب طبيعة عمل القضاة وما يجب ان يتمتع به القضاة من استقلال وحياد لذا فان آلية مساءلة القضاة عن الأخطاء التي يرتكبونها يجب ان لا تؤدي إلى المساس بهذا الاستقلال والحياد لذا نجد ان القانون يوفر الحصانة للقضاة حيث نصت المادة (64) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 على عدم جواز توقيف القاضي أو اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده في غير حالة ارتكابه جناية مشهودة إلا بعد استحصال إذن رئيس مجلس القضاء الأعلى، غير ان هذه الحصانة ليست مطلقة إذ يمكن مساءلة القضاة عن كل فعل يشكل مخالفة للدستور والقانون وأفعال الإهمال والتقصير التي قد تقع منهم عند مزاولتهم العمل القضائي وقد تصل عقوبة القاضي إلى إنهاء الخدمة بموجب أحكام المادة (58 / ثالثاً) من قانون التنظيم القضائي إذا صدر عليه حكم بات بعقوبة من محكمة مختصة عن فعل لا يأتلف وشرف الوظيفة القضائية كما بينت المادة (61 / أولاً) من القانون المذكور ان لجنة شؤون القضاة تقرر إحالة القاضي على المحكمة المختصة إذا وجدت ان الفعل المنسوب إليه يكون جناية أو جنحة، لذا نجد ان القاضي إسوةً بغيره من المواطنين يتعرض للمساءلة الجنائية عند ارتكابه أي فعل مجرم بمقتضى قانون العقوبات والقوانين الأخرى على سبيل المثال المادة (234) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 التي تعاقب القاضي بالحبس والغرامة إذا اصدر حكماً ثبت انه غير حق كذلك يخضع القاضي شأنه شأن الموظفين والمكلفين بخدمة عامة لأحكام المادة ( 329 /1 ) من قانون العقوبات إذا تسبب بحكمه تعطيل حكم نص دستوري أو قانوني نافذ، ويخضع لإحكام المادة (330) من القانون المذكور إذا اخل عمداً بواجب من واجبات وظيفته، ونرى ان هذه النصوص القانونية وغيرها التي تطبق على القضاة عما يرتكبونه من أفعال مخالفة للدستور والقانون وتطبيقها بشكل جدي يساهم في تعزيز ثقة المواطن بالقضاء لان المواطن حين يرى معاقبة القاضي لارتكابه ما يخالف الدستور والقانون سوف تتعزز الثقة بعدالة القضاء أما إذا كان القاضي في مأمن من عواقب مخالفته الدستور والقانون لمجرد كونه قاضياً فان ذلك يؤدي إلى انحسار الثقة بالقضاء لان القائمين عليه غير ملتزمين بحكم الدستور والقانون فكيف يمكن الثقة بتطبيقهم لإحكام الدستور والقانون على الآخرين؟ ويعد واجب (احترام الدستور والقوانين النافذة وتطبيقها بأمانة ونزاهة وحياد) هو الأساس الذي يستند عليه العمل القضائي لذا نجد أن المشرع حرص على النص على هذا الالتزام في صيغة اليمين التي يؤديها القاضي قبل ممارسة عمله القضائي بموجب المادة (37 / ثانياً) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 والمادة (7) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية)، وهنا أوجه دعوتي بمحبة وحرص إلى زميلاتي وزملائي السادة القضاة إلى ان يضعوا نصب أعينهم بأن العدل اسم من أسماء الله والقضاء قبس من نوره وتحقيق العدل أساس في رسالة الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله بالكتاب والميزان وبالقضاء تصان الدماء والأعراض والأموال، وان ولاية القضاء من أعلى الولايات قدراً وأعظمها شأناً واعزها مكاناً وأشرفها ذكراً لذا يجب على جميع القضاة النأي بأنفسهم عن كل سلوك يخالف الدستور أو القانون.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ” (الأنعام 57) ولنرجع إلى ما كنا فيه من تفسير الآية فقوله تعالى: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” أريد بالحكم فيه القضاء التكويني، والجملة تعليل للنفي في قوله: “ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ” والمعنى على ما يعطيه السياق أن الحكم لله وحده وليس إلي أن أقضي بيني وبينكم، وهو الذي تستعجلون به باستعجالكم بما تقترحون علي من الآية. وعلى هذا فقوله: “ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ” مستعمل استعمال الكناية كأنهم باقتراحهم إتيان آية أخرى غير القرآن كانوا يقترحون عليه صلَّ الله عليه وآله أن يقضي بينه وبينهم ولعل هذا هو السر في تكرار لفظ الموصول والصلة في الآية التالية حيث يقول تعالى: “قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ” وكان مقتضى ظاهر السياق أن يقال: لو أن عندي ذلك، وذلك أنه أريد بقوله: “ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ” في الآية الأولى لازم الآية وهو القضاء بينه وبينهم على ما جرت به السنة الإلهية، وفي الآية الثانية نفس الآية، ومن المحتمل أيضا أن يكون أمر الكناية بالعكس من ذلك فيكون المراد بما تستعجلون به هو القضاء بالصراحة في الآية الأولى، والآية بالتكنية في الآية الثانية. وقوله: “يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ” قرأ عاصم ونافع وابن كثير من السبعة بالقاف والصاد المهملة من القص وهو قطع شيء وفصله من شيء ومنه قوله تعالى: “وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ” (القصص 11) وقرأ الباقون بالقاف والضاد المعجمة من القضاء، وقد حذف الياء من الرسم على حد قوله تعالى: “فَما تُغْنِ النُّذُرُ” (القمر 5) ولكن من القراءتين وجه، ومآلهما من حيث المعنى واحد فإن قص الحق وفصله من الباطل لازم القضاء والحكم بالحق وإن كان قوله: “وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ” أنسب مع القص بمعنى الفصل. وأما أخذ قوله “يَقُصُّ الْحَقَ” من القص بمعنى الإخبار عن الشيء أو بمعنى تتبع الأثر على ما احتمله بعض المفسرين فمما لا يلائم المورد: أما الأول فلأن الله سبحانه وإن قص في كلامه كثيرا قصص الأنبياء وأممهم غير أن المقام خال عن ذلك فلا موجب لذكر هذا النعت له وتوصيفه تعالى به. وأما الثاني فلأن محصل معناه أن سنته تعالى أن يتبع الحق ويقتفي أثره في تدبير مملكته وتنظيم أمور خليقته، والله سبحانه وإن كان لا يحكم إلا الحق ولا يقضي إلا الحق إلا أن أدب القرآن الحكيم يأبى عن نسبة الاتباع والاقتفاء إليه تعالى، وقد قال تعالى فيما قال: “الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ” (آل عمران 60) ولم يقل: الحق مع ربك، لما في التعبير بالمعية من شائبة الاعتضاد والتأيد والإيهام إلى الضعف.
ويستطرد العلامة السيد الطباطبائي في تفسير الآية الكريمة الأنعام 57 قائلا: (كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى) فعله وحكمه تعالى نفس الحق لا مطابق للحق موافق له، بيان ذلك أن الشيء إنما يكون حقا إذا كان ثابتا في الخارج واقعا في الأعيان من غير أن يختلقه وهم أو يصنعه ذهن كالإنسان الذي هو أحد الموجودات الخارجية والأرض التي يعيش عليها والنبات والحيوانات التي يغتذي بها، والخبر إنما يكون حقا إذا طابق الواقع الثابت في نفسه مستقلا عن إدراكنا والحكم والقضاء إنما يكون حقا إذا وافق السنة الجارية في الكون فإذا أمر الآمر بشيء أو قضى القاضي بشيء فإنما يكون حكم هذا وقضاء ذاك حقا مطلقا إذا وافق المصلحة المطلقة المأخوذة من السنة الجارية في الكون، ويكون حقا نسبيا إذا وافق المصلحة النسبية المأخوذة من سنة الكون بالنسبة إلى بعض أجزائه من غير نظر إلى النظام العام العالمي. فإذا أمرنا آمر بالتزام العدل أو اجتناب الظلم فإنما يعد ذلك حقا لأن نظام الكون يهدي الأشياء إلى سعادتها وخيرها، وقد قضى على الإنسان أن يعيش اجتماعيا، وقضى على كل مجتمع مركب من أجزاء أن يتلاءم أجزاؤه ولا يزاحم بعضها بعضا، ولا يفسد طرف منه طرفا، حتى ينال ما قسم له من سعادة الوجود، ويتوزع ذلك بين أجزائه المجتمعين، فمصلحة هذا النوع المطلقة هي سعادته في الحياة، ويطابقها الأمر بالعدل والنهي عن الظلم فكل منهما حكم حق، ولا يطابقها الأمر بالظلم والنهي عن العدل فهما من الباطل، والتوحيد حق لأنه يهدي إلى سعادة الإنسان في حياته الحقيقية، والشرك باطل لأنه يجر الإنسان إلى شقاء مهلك وعذاب خالد. وكذلك القضاء بين متخاصمين إنما يكون حقا إذا وافق الحكم المشروع المراعى فيه المصلحة الإنسانية المطلقة أو مصلحة قوم خاص أو أمة خاصة، والمصلحة الحقيقية ـ كما عرفت ـ مأخوذة من السنة الجارية في الكون مطلقا أو نسبيا. فقد تبين أن الحق أيا ما كان إنما هو مأخوذ من الكون الخارجي والنظام المنبسط عليه والسنة الجارية فيه، ولا ريب أن الكون والوجود مع ما له من النظام والسنن والنواميس فعله سبحانه منه يبتدئ وبه يقوم، وإليه ينتهي، فالحق أيا ما كان والمصلحة كيفما فرضت يتبعان فعله ويقتفيان أثره، ويثبتان بالاستناد إليه لا أنه تعالى يتبع الحق في فعله ويقفو أثره فهو تعالى حق بذاته وكل ما سواه حق به. ونحن معاشر الآدميين لما كنا نطلب بأفعالنا الاختيارية تتميم نواقص وجودنا ورفع حوائج حياتنا، وكانت أفعالنا ربما طابقت سعادتنا المطلوبة لنا وربما خالفت اضطررنا في ذلك إلى رعاية جانب المصلحة التي نذعن بأنها مصلحة أي فيها صلاح حالنا وسعادة جدنا وأدى ذلك إلى الإذعان بقوانين جارية وأحكام عامة، واعتبار شرائع وسنن اجتماعية لازمة المراعاة واجبة الاتباع لموافاتها المصلحة الإنسانية وموافقتها السعادة المطلوبة. وأدى ذلك إلى الإذعان بأن للمصالح والمفاسد ثبوتا واقعيا وظروفا من التحقق منحازا عن العالمين: ـ الذهن والخارج ـ منعزلا عن الدارين: ـ العلم والعين ـ وهي تؤثر أثرها في خارج الكون بالموافقة والمخالفة فإذا طابقت أفعالنا أو أحكامنا المصالح الواقعية الثابتة في نفس الأمر ظهرت فيها المصلحة وانتهت إلى السعادة، وإذا خالفتها وطابقت المفاسد الواقعية الحقيقية ساقتنا إلى كل ضر وشر، وهذا النحو من الثبوت ثبوت واقعي غير قابل للزوال والتغير فللمصالح والمفاسد الواقعية وكذا لما معها من الصفات الداعية إلى الفعل والترك كالحسن والقبح وكذا للأحكام المنبعثة منها كوجوب الفعل والترك مثلا لكل ذلك ثبوت واقعي يتأبى عن الفناء والبطلان، ويمتنع عن التغير والتبدل وهي حاكمة فينا باعثة لنا إلى أفعال كذا أو صارفة، والعقل ينال هذه الأمور النفس الأمرية كما ينال سائر الأمور الكونية.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط