الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله سبحانه “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” ﴿الجمعة 8﴾ قل: إن الموت الذي تهربون منه لا مفرَّ منه، فإنه آتٍ إليكم عند مجيء آجالكم، ثم ترجعون يوم البعث إلى الله العالم بما غاب وما حضر، فيخبركم بأعمالكم، وسيجازيكم عليها. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ” ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (الجمعة 8) “قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه” الفاء زائدة “ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة” السر والعلانية “فينبئكم بما كنتم تعملون” فيجازيكم به.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” ﴿الجمعة 8﴾ “قل” يا محمد “إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم” أي إنكم وإن فررتم من الموت وكرهتموه فإنه لا بد ينزل بكم ويلقاكم ويدرككم ولا ينفعكم الهرب منه وإنما قال فإنه ملاقيكم بالفاء سواء فروا منه أولم يفروا منه فإنه ملاقيهم مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه لأنه إذا كان الفرار بمنزلة السبب في ملاقاته فلا معنى للتعرض للفرار لأنه لا يباعد منه وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السلام في قوله كل امرىء لاق ما يفر منه والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته وقال زهير: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو نال أسباب السماء بسلم. ولا شك أنها تناله هابها أولم يهبها ولكنه إذا كانت هيبته بمنزلة السبب للمنية فالهيبة لا معنى لها وقيل إن التقدير قل إن الموت هو الذي تفرون منه فجعل الذي في موضع الخبر لا صفة للموت ويكون “فإنه” مستأنفا “ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة” أي ترجعون إلى الله الذي يعلم سركم وعلانيتكم يوم القيامة “فينبؤكم بما كنتم تعملون” في دار الدنيا ويجازيكم بحسبها.
قال الله تعالى “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (الجمعة 8) عن سماحة الشيخ حسن العطار في صفحته: ووردت في المصادر الإسلامية عشرات بل مئات الأحاديث والروايات التي تحث على تعزية المصاب، وأن ذلك موجب للأجر والثواب من قبل الله تعالى، وتبيّن بعض آداب وسنن التعزية والمواساة. ففي إحدى الموسوعات الحديثية وهو (جامع أحاديث الشيعة) الذي أُلّف تحت اشراف المرجع الديني السيد حسين البروجردي (توفي 1380هـ) بلغت أبواب التعزية والتسلية وما يرتبط بها سبعة عشر بابًا، تضمنت ما يزيد على ثلاثمائة حديث. ومع أن المعتبر منها سنداً محدود لكنها من حيث المجمل تؤدي إلى الاطمئنان باهتمام الشارع بهذا الموضوع. ومن تلك الأحاديث مارواه ابن ماجه في سننه عن عمرو بن حزم عن النبي أنه قال: (ما من مُؤمِنٍ يُعَزِّي أخاه بمصيبةٍ، إلا كساه اللهُ سبحانه من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ)، وقد صححه الألباني. وما أورده الكليني في الكافي عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عن جده رسول الله أنه قال: (من عزّى حزيناً كسي في الموقف حُلّة يحبى بها).
بقول الشيخ حسن العامري: يقول الامام علي عليه السلام (سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً بِحُسْنِ بَلَائِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً مَشْرَباً وَمَطْعَماً وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً وَقُصُوراً وَأَنْهَاراً وَزُرُوعاً وَثِمَاراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا وَلَا فِيمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا وَلَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ) فالوصف ليس ببصر الدار الذي هو مسكن العائلة وليست مائدة الطعام في الدنيا انما البصيرة تتجه الى دار الاخرة التي جعل الله فيها قصورا وانهارا وزروعا وثمارا، ولكن البصر غره طمع الدنيا فاصابه الغشاوة والقلب مرض فاصبحت العين والسمع موجودتان ولكنهما ببصيرة غير صحيحة متبعة اهواء الدنيا بدون النظر الى دار الاخرة “وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ” (العنكبوت 64) وهي لقاء الله تعالى “وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ” (البقرة 223)، و “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (الجمعة8). فالآخرة اما السعادة الابدية او الشقاء الابدي. ولا تتصور ان تغادر الدنيا بدون عملية حساب “وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا” (الكهف 49) فعلينا مراقبة اعمالنا ببصيرة ثاقبة ليكون مكانك قريب من الله تعالى في وقت لا ينفع فيه الندم “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ” (المؤمنون 99) وعليك ان لا تكون من الذين قال الله عنهم “وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ” (الانعام 28). قال الإمام الصادق عليه السلام (ان عمي العباس كان نافذ البصيرة) اي تعلم نفسه ان عمله يوصله الى ان يكون قريبا من الله سبحانه.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط