محمد حسين المياحي
في خضم ترقب الاوساط الدولية والاقليمية لما ستسفر حالة المد والجزر فيما يتعلق بالمفاوضات بشأن البرنامج النووي الايراني بين طهران وواشنطن من نتائج، فقد جاء الرفض القاطع الذي أعلنه المرشد الاعلى للنظام الايراني، علي خامنئي، لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة الاميرکية ليٶدي الى حالة إرباك وقلق في داخل إيران حيث إن هذا الرفض القاطع بحد ذاته ليس بذلك الحل المنتظر للحالة الايرانية القلقة والمضطربة ليس بخصوص البرنامج النووي وإنما بشأن الاوضاع کلها والتي يمکن وصفها کلها بالسيئة جدا.
الملاحظة المهمة هنا، إنه وعلى الرغم من مسارعة کبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية إلى تأكيد التزامهم بتوجيهات خامنئي، مشددين على أن المحادثات ستقتصر على الدول الأوروبية. ومع ذلك، فإن التداعيات الاقتصادية الفورية للموقف الذي أعلنه خامنئي قد فاقمت الأزمة المالية المتفاقمة في إيران، حيث انخفض الريال الإيراني إلى مستوى قياسي جديد وارتفعت أسعار الذهب بشكل غير مسبوق، وهذا بحد ذاته يثبت بأن ما يصدر من مواقف سلبية من قبل القادة والمسٶولين في النظام الايراني بخصوص المفاوضات مع الولايات المتحدة، ليست غير مرحب بها من جانب الاوساط الدولية فقط بل وحتى من جانب الداخل الايراني، إذ يبدو جليا بأن الشعب الايراني لم يعد يثق بإدارة النظام للأزمة وإن البلاد تسير بإتجاه يمکن وصفه وبکل بساطة بالخطير!
خامنئي الذي إستبعد في خطاب له في 8 فبراير الجاري أمام قادة سلاح الجو للنظام أي احتمال للحوار مع الولايات المتحدة، قائلا: “المفاوضات مع أمريكا لا تحل أي مشاكل. إنها ليست عقلانية ولا ذكية ولا مشرفة”. ويمثل خطابه هذا تحولا حادا عن المناورات الدبلوماسية الأخيرة التي قام بها بعض المسؤولين الإيرانيين، الذين سبق أن أعربوا عن انفتاحهم على محادثات غير مباشرة عبر قنوات خلفية، کما إنه تطور لو بقي على حاله من شأنه أن يکلف النظام کثيرا.
هذا التطور قد جاء بعد إعلان الرئيس الامريکي ترامب، عن فرض سياسة الضغط القصوى على النظام الايراني، مع تأکيدات وتلميحات من أوساط سياسية واستخبارية مختلفة بأن النظام الايراني أساسا ليس في وضع جيد يٶهله للأخذ والرد في المفاوضات وإنه لم يعد يمتلك أوراقا کتلك التي کان يمتلکها أثناء المفاوضات التي سبقت إبرام الاتفاق النووي للعام 2015، وهذه الحقيقة يعلمها النظام الايراني جيدا وبالاخص خامنئي الذي يعي جيدا بأن المفاوضات مع إدارة ترامب لن تقف عند حدود يمکن أن تمنح للنظام الايراني فسحة أو حتى متنفسا لکي يمکن من خلالها عدم التفريط بالجهود السرية المبذولة لحد الان من أجل تطوير البرنامج النووي وحيازة السلاح النووي، ولذلك فإنه يعلم بأن النظام الايراني أمام منعطف حاسم وعليه أن يحسم الامر ويستسلم للمطالب الامريکية الواضحة جدا، وهذا يعني بأن النظام عليه أن يتقبل دفن مشروع سعيه للاسلحة النووية کما قام بدفن النظام السوري وقبل ذلك وکيليه في غزة وبيروت، وهذا ما سيکون بمثابة الامر الثقيل جدا على الکاهل الواهن للنظام والدي ستسبب في أحداث وتطورات لن يخرج منها النظام سالما.
في هذا الخضم، فإن الرفض القاطع لخامنئي للمفاوضات هو موقف لم يجد لغيره سبيلا، ولاسيما وإن المعارضة الرئيسية الايرانية المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية المتربصة بالنظام وبعد التظاهرة الکبرى الاخيرة التي قامت بها في العاصمة الفرنسية باريس وشارك فيها قرابة ال20 ألف إيراني وکانت بمثابة إستعراض للقوة من قبل المقاومة الايرانية بوجه النظام وتأکيدا للعالم على إن التغيير قادم على يد الشعب والمقاومة الايرانية، فقد خاطبت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، مريم رجوي، في کلمتها بهذا المناسبة النظام الايراني وخامنئي بقولها:” ويوم أمس قال خامنئي نفسه الكلام الأخير وقال :” التفاوض أمر غير عقلاني ويفتقر إلى الحكمة وليس مشرفا” سبق أن قال النظام إنه لا ينتحر خوفا من الموت! لكن موقف المقاومة وشعب إيران هو: يا جلاد “حان وقت موتك” سواء كانت هناك مفاوضات أو لا، سواء بأسلحة نووية أو بدونها، فإن الانتفاضة والسقوط ينتظركم!”