بقلم: الكاتب والصحفي يحيى هركي. ألمانيا
جوهر محي الدين الهركي، المعروف بجوهر آغا، هو شخصية استثنائية جمعت بين الشجاعة والحكمة وحب الخير. لم يكن يومًا ممن يسعون وراء المال أو المناصب، بل كان رجل مبدأ ووفاء، يضع قضايا عشيرته وشعبه الكردي فوق كل اعتبار. آمن بأن الكرامة تُبنى بالمواقف الشجاعة والنزاهة، وليس بالثروة أو النفوذ الشخصي.
عُرف جوهر آغا بتفانيه في خدمة عشيرته، حيث قدم مصالحها على مصالحه الشخصية. لم يتردد أبدًا في مساعدة الفقراء والمحتاجين، وفتح أبوابه لكل من لجأ إليه طالبًا العون. كان يسعى دائمًا لحل مشاكل العشيرة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، بحكمة وحنكة جعلت كلمته مسموعة ومحترمة بين الجميع.
في عهد النظام البعثي السابق، برز جوهر آغا كمنقذ للكثيرين من أبناء الشعب الكردي بمختلف طوائفهم. استخدم نفوذه وشجاعته لإنقاذ الأبرياء من السجون والإعدامات، متحديًا بطش النظام وقسوته. لم تنل منه الظروف الصعبة، بل زادته إصرارًا على نصرة الحق ومساعدة المظلومين.
ولم تقتصر مواقفه الإنسانية على أبناء عشيرته أو الشعب الكردي فحسب، بل امتدت لتشمل جميع أطياف الشعب العراقي. فقد عُرف عنه دعمه ومساعدته للعشائر العربية والإيزيديين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات، دون تمييز أو تحيز. كان يؤمن بوحدة الشعب العراقي وبأهمية التعايش السلمي بين جميع مكوناته. لم يتردد يومًا في مد يد العون للمحتاجين من أي طائفة أو ديانة، مما أكسبه احترامًا واسعًا وحبًا عميقًا من جميع الفئات.
بعد سقوط النظام، أثبت جوهر آغا مجددًا براعته السياسية. تعامل بحنكة وذكاء مع كلا الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، محققًا توازنًا بين مصلحة شعبه والحفاظ على استقرار الإقليم. ورغم العقبات السياسية التي واجهها من بعض الأحزاب الكردية، ظل مؤمنًا بالقضية الكردية ومدافعًا عنها بإخلاص، واضعًا مصلحة شعبه فوق كل الاعتبارات.
لم يكن جوهر آغا مجرد زعيم عشائري، بل كان رمزًا للنخوة والمروءة. لم يفرق بين أبناء عشيرته وغيرهم، بل سعى دائمًا لتعزيز التلاحم والتكاتف بين جميع العشائر الكردية والعربية. كانت حكمته في حل النزاعات معروفة، وكلمته كانت بمثابة دستور يُحتكم إليه في الخلافات. لم يسعَ أبدًا لتأجيج الصراعات أو تحقيق مكاسب شخصية، بل كان دائمًا جسرًا للتواصل والتفاهم.
تميز بشخصيته المحبوبة واحترامه الكبير بين جميع العشائر الكردية والعربية. كلمته كانت ذات وزن، ومواقفه الشجاعة وثباته على مبادئه جعلاه رمزًا للقيادة الرشيدة والشجاعة النبيلة. يعيش فارسًا حرًا، مدافعًا عن الحق، ومؤمنًا بأن العزة والكرامة لا تُشترى بالمال.
إنه رجل لا يُشترى، ولا يُباع، يعيش بنزاهة، وماتت المصالح الشخصية أمام نُبل مواقفه. جوهر آغا سيظل في ذاكرة العشائر نموذجًا للصدق والشجاعة والعدل، ورمزًا للوفاء للقضية الكردية.