الأنتخابات البرلمانيه في ميزان الربح والخساره

بقلم أ.د. عادل جميل

يدفع وبقوه العديد من السياسين وأصحاب المصالح الخاصه الى أجراء أنتخابات برلمانيه جديده هذا العام دون النظر الى حسبات الربح والخساره ومصالح البلد العليا. الانتخابات ممارسه ديموقراطيه حميده لايختلف عليها اثنان, تمارس في الدول الديمقراطيه المتقدمه وغيرها وهي حق من حقوق الشعوب المتحرره من سيطرة الدكتاتوريات والحكم المطلق. ولكن عند أستقراء واقع ومخرجات الانتخابات البرلمانيه العراقيه المتعدده السابقه , نستنتج أن المردود يختلف كثيرا عن المبدأ الاساس وهو أيصال النخبه من الوطنيين الأكفاء للمشاركه في ادارة دفة الحكم في البلاد والحفاظ على أمنه وسلامته وحماية مصالحه ومكتسباته الأقتصاديه والأجتماعيه. والسؤال الذي يطرح نفسه هل حققت أو تحقق الأنتخابات البرلمانيه االسابقه أو اللاحقه ما مرجو منها؟ الجواب هو النفي بما يقارب المطلق من قبل عموم الشعب. أما جواب المرشحين أنفسهم وداعميهم وهم قلة هو الايجاب المطلق, والسبب واضح, لا يخفى على كل لبيب. فبعد الفوز بمقعد برلماني تتحسن الأحوال وتتغير القيافه من المنتوج المحلي الى البدلات والاحذيه والكرفتات الأوربيه وتزدهر أسواق الجراحات التجميليه. ويتغير مكان السكن والسيارات والأصدقاء وأحيانا الزوجات, وتتغير أرقام التلفونات بأرقام جديده لايعرفها سوى الخاصه . وعند الوصول الى القبه, ماعلى النائب الغير مكترث سوى الحضور بأنتظام ورفع يده بالموافقه أو الرفض للمواضيع المطروحه بنائا على ما يمليه عليه رئيس الكتله أو الداعم الأساس. وشعار هؤلاء (أكسب وتمتع بما تستطيع وأياك أن تخالف من أوصلك الى قبة البرلمان). المهم الوجاهه والمكاسب التي يجنيها النائب اما مصالح البشر ومصالح البلد العليا فهذا من أختصاص رؤساء الكتل والداعمين. ومر العديد من النواب على قبة البرلمان دون ان ينبسو ببنت شفه خلال سنين الدوره الواحده. وبعد الفوز يمضى البعض منهم أيامه ولياليه بالدعوه الى (الله تعالى) أن يعدي الدوره على خير ويصل الى نهايتها سليما معافى للتمتع بما ينتظره من تقاعد وأمتيازات تأمن له العيش الرغيد لنهاية العمر. ومن نافلة القول, أن اغلب الدورات الأنتخابيه لم تفرز نواب برره قلوبهم على مصالح البلد سوى القليل والنادر. حقا هناك برلمانين شجعان وتاقنين للعبه البرلمانيه ويتحركوا ضمن الممكن ولكن هؤلاء قله وتأثيرهم محدود جدا. لذالك مهما تؤول اليه نتائج الأنتخابات القادمه , يظل الحل والربط بيد رؤساء الكتل أو ما يسمى بمجلس أدارة الدوله المكون من رؤساء الكتل والرؤساء الثلاث أضافه الى رئيس مجلس القضاء الأعلى. وطالما أن المتحكمين بأدارة الدوله لم يتغيروا منذ زمن, فالنتائج والمخرجات ستظل متوقعه ومعروفه وتأثيرها محدود مهما تغيرت وجوه وأسماء البرلمانيين. فلم العجله اذن في الدعوه الى أنتخابات مضارها الماديه والمعنويه اكبر بكثير من منافعها. ودعونا نضع امام الجميع الأرقام التقريبيه للخسائر الماديه المنظوره وغير المنظوره ليكن الداعين للأنتخابات على بينة من أمرهم والتفكير برويه لما يخدم مصلحة البلد وما يضره. وأدناه جرد تقريبي للخسائر الماديه المتوقعه التى سترهق خزينة الدوله والأموال التي يهدرها المرشحون للفوز بمقعد انتخابي. الأرقام المدرجه تقريبيه وتعتمد على مدخلات ومخرجات الأنتخابات السابقه وليس تنجيما بالغيب:
اولا: تم رصد 380 مليار دينار عراقي أي ما يقرب من 300 مليون دولار أمريكي ألى المفوضيه العليا للأنتخابات أضافة الى مبالغ أخرى تضاف هنا وهناك لأتمام العمليه الأنتخابيه
ثانيا: يتوقع أن يخرج من البرلمان ,كما جرت العاده, ما يقرب من مائة نائب او أكثر بقليل لأسباب شتى ليحل محلهم نواب جدد, وهذا يعني بلغة الأرقام خسارة خزينة الدوله رواتب تقاعديه موجبة الدفع لمائة نائب متقاعد. واذا افترضنا ان معدل الراتب التقاعدي للنائب يساوي اربعة ملايين دينار عراقي شهريا فهذا يعني خسارة خزينة الدوله سنويا (أربعة مليارات وثمنمائة مليون دينار عراقي) عدا ونقدا كرواتب تقاعديه لمائة نائب محال على التقاعد.
4 4.800 = 12 x100 x
ثالثا: اذا افترضنا ان الطاقم الوزاري, على اقل تقدير , سيفقد نصف أعضائه كما جرت العاده اي خسارة 13 وزير مناصبهم الوزاريه, سيستحق الوزير المحال على التقاعد راتب تقاعدي لا يقل عن خمسة ملايين دينار شهريا اي ستون مليون دينار سنويا , لذا سيصبح العبأ المالي السنوي على خزينة الدوله كرواتب تقاعديه الى ثلاثة عشر وزير ما يقرب من 780 (مليون دينار عراقي) عدا عن المنح التي لم يطلع عليها الجمهور. 13 x 5 x 12 = 780
رابعا: في حالة أحالة الرؤساء الثلاث الى التقاعد, سوف تتكفل خزينة الدوله بدفع رواتب تقاعديه سنويه تصل الى 540 (خمسمائه واربعون مليون دينارعراقي) هذا أذا أفترضنا أن الراتب التقاعدي الشهري لكل رئيس هو بحدود 15 مليون دينار عراقي
وبناء على ما تقدم يصبح مقدار خسائر الخزينه كالتالي:
380 مليار دينار عراقي المبلغ المخصص للمفوضيه العليا للأنتخابات
4,800 (اربع مليارات وثمنمائة مليون دينارعراقي) مقدار الرواتب السنويه التقاعديه لمائة نائب
780 (مليون دينار عراقي) الرواتب التقاعديه السنويه لثلاثة عشر وزير متقاعد
540 (مليون دينار عراقي) الرواتب التقاعديه السنويه للرؤساء الثلاث
وفي حال صدقت التوقعات , وخسر فقط مائة نائب برلماني مقاعدهم في البرلمان, و خرج ثلاثة عشر وزير من الطاقم الوزاري واستبدل الرؤساء الثلاث بغيرهم واحيلو على التقاعد ستصل المستحقات التقاعديه السنويه للمحالين على التقاعد الى مايقرب من 6.100 (ستة مليارات و مائة مليون دينار عراقي) . أما أذا زاد عدد الخارجين عن 116 بين رئيس ووزير ونائب فالمصيبة أعظم؟ وبالمقارنه المبلغ المتوجب دفعه للمحالين على التقاعد بعد أعلان نتائج الأنتخابات يفوق الحقوق التقاعديه الى مايقرب من 3000 متقاعد من الفئات الدنيا و 1500 متقاعد من فئة المتقاعدين الذين يستلمو راتب تقاعدي شهري بحدود مليون دينار عراقي او أقل بقليل. وهذا التفاوت يضع العداله الأجتماعيه موضع شك وتسائل.
خامسا: أضافه الى ماتتحمله خزينة الدوله لمتقاعدي النخبه كنتيجه حتميه لمخرجات الانتخابات القادمه, فهناك خسائر أخرى يتحملها المرشحون للأنتخابات. فأذا فرضنا جدلا مشاركة ثلاثة الاف مرشح وكل مرشح ينفق ,بالحد الادنى, بحدود مائتي وخمسون الف دولار فقط (خمس وعشرون شده ) للفوز بمقعد برلماني, وعليه ستكون كامل النفقات على الدعايه الأنتخابيه والهبات والتبرعات للناخبين هو 750,000000 (سبعمائه وخمسون مليون دولار امريكي) ما يساوي بالدينار العراقي مايقرب من112.500.000000000 ) مائه واثنى عشر ترليون وخمس مائة مليار دينار عراقي) وهذا مبلغ ضخم جدا متوقع أنفاقه من قبل عموم المرشحين على انتخابات وطنيه لا تحدث سوى تغييرات طفيفه في المشهد السياسي العراقي.
الخسائر الغير منضوره: أصابة مؤسسسات الدوله بالشلل وتعطيل حركة البناء وأشغال الأجهزه الأمنيه والأداريه لفتره لا تقل عن ستة شهور, ثلاثة شهور للتحضير للانتخابات وحمايتها وثلاثه شهور ,على أقل تقدير, للمناقشات والمناكفات بين الكتل للأتفاق على تشكيل حكومه جديده. ومن المضار الأخرى التى تبرز في موسم الأنتخابات هو تأجيج النعرات الطائفيه والقوميه والمناطقيه والعشائريه التي يستغلها المرشحون أبشع استغلال لتسقيط المنافسين, لغرض الوصول الى قبة البرلمان بأي ثمن.
الخلاصه: يستنتج كل ذو بصيره بأنه لا توجد ضروره ملحه لهذا الهدر المالى الضخم الذي يثقل كاهل الخزينه العراقيه لسنين طويله وكاهل بعض الحالمين بالجاه والمنصب, أضافه الى ما تسببه الانتخابات من مشاحنات وتعطيل مصالح البشر لفتره لا تقل عن ستة شهور. لذا لا مبرر للتعجل بأجرئها سيما وأن الأمور مستقره الى حد ما والحكومه تسير بخطى ثابتة لانجاز الجزء المتبقي من برنامجها الحكومي. اضافة الى أن الوضع الدولي مقلق جدا ويتطلب التكاتف والوحده وتجنب كل مايثير البغضاء والعداوات بين ابناء الشعب الواحد. والعراق بحاجه ماسه لكل دينار لصرفه على مشاريع مفيده لعموم الشعب لا لتبذيره على أنتخابات نتائجها صوره طبق الاصل عن سابقاتها. وبناء على ماتقدم أدعو مخلصا مجلس أدارة الدوله الى اتخاذ القرار الجريئ بتأجيل الأنتخابات لموعد أخر على الأقل لحين أستقرار الأمور في منطقة الشرق الاوسط, فالوضع متأزم ولا يحتمل الأسترخاء. والقرار بيدكم أولا وأخيرا. توكلو على الله وضعو أمن البلد ومصالحه العليا فوق كل اعتبار, وفكروا جديا في أمور أخرى أكثر فائدة وأقل ضررا للبلد. أجلو الأنتخابات لعام اخر هداكم الله عل الظرف الدولي والداخلي يكون اكثر ملائمه لأجرائها. والله والوطن من وراء القصد.
بقلم أ.د. عادل جميل
Feb 16, 2025
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here