الدكتور فاضل حسن شريف
هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الزمر 42﴾ الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها، وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت بانقضاء الأجل، ويقبض التي لم تمت في منامها، وهي الموتة الصغرى، فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت، وهي نفس مَن مات، ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها، وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها، إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم، وحبسه نفس الميت لَدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ” فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ” إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر 42) “الله يتوفى الأنفس حين موتها و” يتوفى “التي لم تمت في منامها” أي يتوفاها وقت النوم، “فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى” أي وقت موتها والمرسلة نفس التمييز تبقى بدونها نفس الحياة بخلاف العكس، “إن في ذلك” المذكور “لآيات” دلالات “لقوم يتفكرون” فيعلمون أن القادر على ذلك، قادر على البعث، وقريش لم يتفكروا في ذلك.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الزمر 42﴾ وقوله: “الله يتوفى الأنفس حين موتها” المراد بالأنفس الأرواح المتعلقة بالأبدان لا مجموع الأرواح والأبدان لأن المجموع غير مقبوض عند الموت وإنما المقبوض هو الروح يقبض من البدن بمعنى قطع تعلقه بالبدن تعلق التصرف والتدبير والمراد بموتها موت أبدانها إما بتقدير المضاف أو بنحو المجاز العقلي، وكذا المراد بمنامها. وقوله: “والتي لم تمت في منامها” معطوف على الأنفس في الجملة السابقة، والظاهر أن المنام اسم زمان وفي منامها متعلق بيتوفى والتقدير ويتوفى الأنفس التي لم تمت في وقت نومها. ثم فصل تعالى في القول في الأنفس المتوفاة في وقت النوم فقال: “فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى” أي فيحفظ النفس التي قضى عليها الموت كما يحفظ النفس التي توفاها حين موتها ولا يردها إلى بدنها، ويرسل النفس الأخرى التي لم يقض عليها الموت إلى بدنها إلى أجل مسمى تنتهي إليه الحياة. وجعل الأجل المسمى غاية للإرسال دليل على أن المراد بالإرسال جنسه بمعنى أنه يرسل بعض الأنفس إرسالا واحدا وبعضها إرسالا بعد إرسال حتى ينتهي إلى الأجل المسمى. ويستفاد من الآية أولا: أن النفس موجود مغاير للبدن بحيث تفارقه وتستقل عنه وتبقى بحيالها. وثانيا: أن الموت والنوم كلاهما توف وإن افترقا في أن الموت توف لا إرسال بعده والنوم توف ربما كان بعده إرسال. ثم تمم الآية بقوله: “إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” فيتذكرون أن الله سبحانه هو المدبر لأمرهم وأنهم إليه راجعون سيحاسبهم على ما عملوا.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الزمر 42﴾ “اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها”. قال الماديون: الإنسان هو هذا الجسم ولا شيء وراءه. انظر “الماديون والحياة بعد الموت” ج 4 ص 379 ومع الماديين ص 536 من المجلد المذكور. وقال المؤمنون: ان الإنسان روح وبدن، وان الروح هي التي تسيّر البدن وتدبره بأمر اللَّه تعالى، والموت عبارة عن قطع العلاقة بين الروح والبدن، وانها بعد ذلك تذهب إلى خالقها: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ” (الفجر 27). وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها” انه تعالى يقبضها إليه حين موت الأبدان. “والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها”. النوم نوع من الموت والوفاة أو هو وفاة مجازا، قال تعالى: “هُو الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ” (الأنعام 60). وقال صاحب مجمع البيان: (التي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز، وهي التي تفارق النائم فلا يعقل، أما التي تتوفى عند الموت فهي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس، فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت ان قبض النوم يضاد اليقظة، وقبض الموت يضاد الحياة، وقبض النوم تكون الروح معه – أي مع القبض – في البدن، وقبض الموت تخرج الروح من البدن). “فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. يقبض سبحانه النفس عند موت الجسد، وعند منامه، وتبقى التي قضى عليها الموت عند خالقها ولا يردها إلى الجسد، أما الثانية فيردها إليه إلى أمدها المعين. قال عمر بن الخطاب: (العجب ان الرجل يرى رؤيا فتكون كالأخذ باليد، ويرى رؤيا فلا تكون شيئا.. فقال له الإمام علي بن أبي طالب: ان اللَّه يتوفى الأنفس كلها، فما رأته وهي عنده فهي صادقة، وما تراه بعد إرسالها فهي كاذبة، فعجب عمر من قول الإمام). نقل هذا الشيخ المراغي في تفسيره عن أبي حاتم وابن مردويه.
الفرق بين الوفاة و الموت ان كل موت هو الوفاة “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا” (الزمر 42) ولكن ليس كل وفاة تعني الموت مثل الغيبوبة و التخدير و النوم” وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى” (الزمر 42) فالاخرى توفت في المنام ولم تمت حتى ولو استمرت سنين مثل اهل الكهف”وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا” (الكهف 25)، وبتعبير اخر الوفاة خروج الروح ففي حالة الموت بدون رجعة الروح الى الجسد. وهنالك ايات اشارت الى الموت ولم تصرح به منها”وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى” (الضحى 4) و” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” (القصص 88) و”كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ” (الرحمن 26).
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: أنّ الحياة و الموت و كلّ شؤون الإنسان هي بيد اللّه سبحانه و تعالى، قالت الآية: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها” (الزمر 42) كلمة توفى تعني قبض الشيء بالتمام، كلمة أنفس تعني الأرواح. و كلمة منام لها معنى مصدري و تعني النوم. و بهذا الشكل فإن النوم يعد شقيق الموت لكن بأحد أشكاله الضعيفة، أي أشكال الموت، لأن العلاقة بين الروح و الجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، و تقطع الكثير من العلاقات والوشائج بينهما. و تضيف الآية “فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى” (الزمر 42) نعم”إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر 42). من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أمور: 1- إنّ الإنسان عبارة عن روح و جسد، و الروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور و الحياة. 2- عند الموت يقطع اللّه العلاقة بين الروح، و الجسد، و يذهب بالروح إلى عالم الأرواح، و عند النوم يخرج البارئ عزّ و جلّ الروح و الجسد، و لكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. و وفقا لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، و هي: ارتباط كامل (حالة الحياة و اليقظة) و ارتباط ناقص (حالة النوم) و قطع الارتباط بصورة كاملة (حالة الموت). 3- النوم هو أحد الصور الضعيفة للموت، و الموت هو نموذج كامل للنوم. 4- النوم هو أحد دلائل استقلال و أصالة الروح، خاصة عند ما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر. 5- إنّ العلاقة التي تربط بين الروح و الجسد تضعف أثناء النوم، و أحيانا تقطع تماما ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي موته. 6- إنّ الإنسان عند ما ينام في كلّ ليلة يشعر و كأنّه وصل إلى أعتاب الموت، و هذا الشعور بحد ذاته درسا يمكن الاعتبار منه، و هو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته. 7- كلّ هذه الأمور تجري بقدرة البارئ عزّ و جلّ، و إن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر البارئ عزّ و جلّ. ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام: (ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السماء، و بقيت روحه في بدنه، و صار بينهما سبب كشعاع الشمس، فإن أذن اللّه في قبض الأرواح أجابت الروح النفس، و إن أذن اللّه في ردّ الروح أجابت النفس الروح، فهو قوله سبحانه: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها” (الزمر 42)). كلمة روح في هذه الرواية تعني الروح الحيوانية و عمل أجهزة الجسم الرئيسية، و كلمة نفس تعني روح الإنسان. و ثمّة مسألة مهمّة اخرى هي مسألة الرؤيا لأنّ الكثيرين يرون في عالم الرؤيا أحلاما حدثت وقائعها أو ستحدث فيما بعد في الواقع، مع اختلافات جزئية أو بدون أيّ اختلاف. التفاسير المادية عاجزة عن توضيح مثل هذه الرؤيا و الأحلام، في حين أن التفاسير الروحية تستطيع بسهولة توضيح هذا الأمر، لأنّه عند ما تنفصل روح الإنسان عن جسده و ترتبط بعالم الأرواح، تدرك حقائق كثيرة لها علاقة بالماضي و المستقبل، و هذه الحالة هي التي تشكل أساس الرؤيا الصادقة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط