كامل سلمان
التصريحات المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تركيا لن تسمح بوجود تنظيمات إرهابية شمال شرق سوريا ويقصد بذلك التنظيمات الكوردية وتحديداً قوات سوريا الديمقراطية ، هذه التصريحات تشير إلى ثلاثة أمور غفل عنها الرئيس التركي أن كان عن قصد أو غباء سنرى ذلك .
الأمر الأول هو أنه يعلم تماماً أن القوات الكوردية قد تم تأسيسها بطلب من التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأن تدريب هذه القوات وتسليحها ومهامها تخضع لأوامر مباشرة من التحالف الدولي ، وهذا يعني أن أردوغان يتهم التحالف الدولي برعاية وأحتضان الإرهاب وبنفس الوقت هو نفسه حليف استراتيجي للتحالف الدولي وعضو فعال في حلف الشمال الأطلسي ( الناتو ) بمعنى إنه حليف للدول الراعية للإرهاب كما يدعي هو . فهل يمكن تفسير ذلك على إنه دهاء سياسي أم غباء سياسي أم غلطة الشاطر وهو يسمع كل يوم تصريحات ساسة دول التحالف الغربي بأن القوات الكوردية حليف موثوق به ساعدونا في دحر الإرهاب .
الأمر الثاني هو أدرى من غيره بأن القوات الكوردية في سوريا تم تأسيسها ودعمها خصيصاً لمحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش وهيئة تحرير الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية ، وهذا يعني بالنسبة لتركيا أن تلك التنظيمات الإرهابية ( داعش والنصرة وغيرها ) ليست إرهابية وتركيا داعمة لها وتقف خلفها فهو إعتراف صريح بأن تركيا هي راعية الإرهاب في الشرق الأوسط طالما تتهم من يحارب الإرهاب بأنه هو الإرهاب .
الأمر الثالث هو إعتراف وتبيان للعالم بشكل صريح وواضح بأن الشأن السوري مستباح لتركيا أن تتدخل فيه كيفما تشاء وأن سوريا حكومة وشعباً تحت وصاية الأتراك يقررون سياستها وأمنها غصباً عنها وعن الجامعة العربية وعن المجتمع الدولي في هذا الظرف الحساس الذي تمر بها المنطقة دون الإكتراث لعواقب الأمور في تحد غريب لسياسات المجتمع الدولي .. طبعاً تركيا تفعل كل ذلك مستفيدة من غطاء عضويتها بحلف الناتو وقوة إرتباطها بإسرائيل وبأمريكا ، ظناً منها بأن العالم الحر سيغضّ النظر عن تجاوزاتها التي جاءت تبحث عن إمبراطوريتها المدفونة في الوقت الضائع . . أردوغان يعلم بأن لحلف الناتو وإسرائيل مصالح استراتيجية مع تركيا ولكنه لا يعلم بأن الغرب لا تغمض عيناه ولا تفوته صغيرة أو كبيرة ، صحيح أننا لم نشاهد منهم موقفاً صلباً تجاه تركيا ولكنهم عودونا بأنهم لا ينسون من يستغلهم ففي حال نجاح الولايات المتحدة الأمريكية بجعل روسيا قريبة للحضن الغربي وإنهاء الأزمة مع إيران فأن تركيا تصبح دولة عديمة الأهمية بالنسبة للغرب خاصة إذا أصبحت روسيا ذراع للغرب وهذا ما تعمل عليه الإدارة الأمريكية الجديدة وكذلك ما يتمناه الرئيس الروسي بعد أن تيقن بأن بلاده أشبه ما تكون ضائعة بسبب الحصار الغربي فأن حصل ذلك فأن المؤشرات ستكون بلا أدنى شك خسارة تركية كبيرة ، وستجد تركيا نفسها أمام المقصلة ، وكما نعلم بأن قادة دول العالم الغربي يعرفون تماماً بأن تركيا إستغلت مكانتها بالحلف مع الغرب في فرض سياسات متطرفة في المنطقة تسببت بقتل الالاف من الأبرياء وأدت إلى تدمير سوريا وأمتد ضررها على دول عربية عريقة كمصر والسعودية والإمارات وليبيا إضافة إلى الإيذاء الكبير للشعب الكوردي ومعاداتها لدول أوربية محترمة كاليونان وقبرص وفوق كل ذلك تصديرها لإيدلوجية التشدد الديني الذي سبب الكثير من الضرر للعالم الغربي ، فهذه كل ملفات مخزونة سيتم عرضها في الوقت المناسب عندها ستكون تركيا في موقف لا يحسد عليه لأن الغرب كما عودتنا التجارب لن يسامح من تجاوز صلاحياته وسبب الأضرار لمصالح دولها حتى وأن كان أعز صديق . فهذا التمادي التركي لم ينم عن حكمة ودهاء سياسي بقدر ما هو تخبط أعمى غير محسوب النتائج . الحاضر يرينا شيء والمستقبل سيرينا شيء أخر ولا عزاء لمن نسي تقلب الأيام ونسي بأن الله يرى .