نعم، لزواج العقل لا، لزواج العاطفة ! * د. رضا العطار
العاطفة هي التفكير الاندفاعي الذي تغلب عليه الحركة اكثر مما يغلب عليه التأمل. وهي خاصة بالحيوان والطفل، اكثر مما هي خاصة بالرجل الناضج. ونحن نسميها شهوة حين تشتد وتغمر كياننا.
ونحن الرجال والنساء نشتهي الجنس الاخر، لمحض انه الجنس الآخر اي ان الاشتهاء هنا لا يمتزج بالتعقل والتفكير في شخصية هذه المرأة او هذا الرجل الذي نشتهيه. وهذا هو المستوى الحيواني … ولكن الرجل المثقف الناضج يأبى حتى الطعام اذا لم يكن فيه ما يبرز اساغته سوى الطعم الحسن ولذة الشبع. فهو لا يشتهي الطعام ويندفع اليه بعاطفة الجوع فقط … ولكنه يزن قيمته الغذائية بل يزن ايضا قيمته الفنية فيتأنق ويختار. وبكلمة اخرى نحن نختار الطعام بعقولنا وليس بعاطفتنا.
وكذلك يجب ان يكون شأننا في اختيار الشخص الآخر الذي نتزوجه. نختاره بعقولنا وليس بعاطفتنا بحيث لا يغرينا انف دقيق او فم صغير او عيون عسلية او وجه مستدير او بشرة بيضاء او نحو ذلك وانما نزن هذا الشخص بعقولنا ونسأل: هل يليق ان يكون أبا او أما لآبنائنا؟ وكيف تكون شخصيته بعد عشر سنوات ؟
ولا نقصد الى القول باننا يجب ان نهمل العاطفة. فاننا نعتقد ان الاساس لكل زواج هو الاغراء الجنسي الذي يقوم على استجمال الجسم. ولكن يجب ان نحترس من هذا الاغراء اذ هو قد يثير شهوة عمياء ليس فيها اي تفكير او تعقل للمستقبل.
وكثير من المآسي الزوجية يعود الى هذا الاندفاع العاطفي في اختيار الشخص الاخر للزواج. اذ يتضح بعد شهور حين تهدأ عاصفة العاطفة ان هذا الشخص هو طراز آخر غير طرازنا واننا نختلف معه في كل خطوة وان العيش معه لا يطاق. ثم يكون الانفصال الذي ربما يقع بعد ولادة طفل او طفلين تبقى مشكلتهما الاساسية قائمة نحو عشرين سنة. او قد لا يحدث الانفصال، لكن يبقى الزوجان يضحيان بسعادتهما طيلة سنوات العمر وقد تمتد الى خمسين سنة او اكثر. بعد ان يستحيل البيت الى جهنم حمراء للشقاء المتواصل.
يجب ان نتزوج زواجا انسانيا، ولما كانت ميزة الانسان الاولى هي العقل فان الزواج يجب ان يركز اكثره على العقل واقله على العاطفة. وما دمنا نكفل الاغراء الجنسي في جمال الجسم فان الاختيار بعد ذلك يجب ان يتجه نحو الصفات الانسانية الاخرى مثل الكفاءة للمعاشرة الزوجية والكفاءة للأمومة والكفاءة للمقام الاجتماعي ونحو ذلك
وعلينا الا ننسى ان الحب كثيرا ما يأتي بعد الزواج وليس قبله وذلك لاننا نعاين كل يوم في هذا الشريك صفة عالية: كالشهامة والرقة والكياسة والذكاء ما يجعلنا نحبه ونعجب به بل يجب ان يكون هذا هو البرنامج الصحيح لكل زوج. لكن الواقع ان الحب لا يجد مكوناته ومؤهلاته ايام الخطوبة السابقة للزواج لما فيها من تكلف ومراقبة واشراف و المقتصرة على ساعات الزيارة. اما بعد الزواج فان الجو يبدو للزوجين على طبيعته فاذا كان احدهما على المستوى المطلوب من التربية وحسن المعاشرة فانه يستحق ان يُحب من هذا الشريك.
ويجب ان يكون هذا الحب بعد الزواج هدفا لكل من يرشح نفسه بهذا الرباط الاجتماعي السامي. لان هذا الاتجاه جدير بان يهيء الفتاة والشاب الى التزيد من الاخلاق العالية والنضج الثقافي وتحقيق المكانة الاجتماعية والاستمرار على ذلك طيلة سنوات المعاشرة الزوجية. دون ان يؤدي ذلك الى الاهمال الجسمي والذهني الذي كثيرا ما يجعل الزوجة رثة الثياب او يجعل الزوج فظ الكلمات.
ليس الزواج في وضع مستقر دائما وانما يتماوج مع الجهد المستمر لزيادة الحب والحنان والمؤانسة والثقافة والنمو والنضج للزوجين وللابناء.
واخيرا نقول انه كثيرا ما يلتبس على القارئ القول بافضلية زواج العقل على زواج العاطفة بان القصد من هذا هو ايثار الزوجة الثرية ولو كانت دميمة الجسم او النفس على الزوجة الفقيرة جميلة الجسم او النفس وهذا خطأ خطير فان هذا الزواج زواج المال هو شر ما يقع فيه احد الزوجين الاّ ويتحول الى خادم للأخر او لص يختلس ويخدع.
عرفت شابا وقع في غرام فتاة، غرام متأجج العاطفة التي تعمي بدخانها اكثر مما تضيء بنارها، وتزوجا وبقى الاثنان في حمى الشهوة العارمة.
كان هذا الشاب قبل الزواج يحيا على مستوى عال من الادب ينشد السعادة بتحقيق اهداف انسانية وكانت له رفوف من الكتب في منزله تشبه المكتبة وكان له اصدقاء راقون يحسنون فن الحديث والمناقشة ويتفاهمون في الموضوعات العامة. لكن بعد سنوات عديدة من هذا الزواج العاطفي وجدته حيوانا اليفا يشكو كثرة الاطفال ولا يفكر الا في طعامهم وشرابهم لضيق رزقه. وقد انسته زوجته جميع القيم العالية واهتماماته الثقافية السابقة التي كان يستمتع بها. الكتب والاصدقاء والمبادئ والطبيعة – – وبعد سنوات رايت زوجته، فوجدتها امراة سمينة رثّة، تفوح رائحة الثوم من جسمها. ولم تكن تقرأ سوى المجلات المصورة الوضيعة. حياة وخيمة وبيت وخيم. ولو كان هذا الشاب قد تعقل واختار زوجة مثقفة لما اكثر من الابناء حتى يُرهق بهم وحتى يحرم نفسه بسببهم التربية الذاتية والارتقاء المتواصل ولما انحدر من امانيه الانسانية السامية.
زواج العقل هو الزواج الانساني وزواج العاطفة هو الزواج الحيواني.
* مقتبس من كتاب فن الحب والحياة لمؤلفه العلامة سلامه موسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط