آيات قرآنية عن الموت (ح 73) (أو كلم به الموتى)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه “وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ” (الرعد 31) ونزل لما قالوا له إن كنت نبيا فسيّر عنا جبال مكة، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلمونا أنك نبي “ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال” نقلت عن أماكنها “أو قطّعت” شققت “به الأرض أو كلم به الموتى” بأن يحيوا لما آمنوا “بل لله الأمر جميعا” لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا، ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعا في إيمانهم، “أفلم ييأس” يعلم “الذين آمنوا أن” مخففة أي أنه “لو يشاء الله لهدي الناس جميعا” إلى الإيمان من غير آية “ولا يزال الذين كفروا” من أهل مكة “تصيبهم بما صنعوا” بصنعهم أي كفرهم “قارعهٌ” داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب “أو تحل” يا محمد بجيشك “قريبا من دارهم” مكة “حتى يأتي وعد الله” بالنصر عليهم، “إن الله لا يخلف الميعاد” وقد حلَّ بالحديبية حتى أتى فتح مكة.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه “وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ” ﴿الرعد 31﴾ مر نظير هذه الآية في سورة الأنعام، وتكلمنا حولها مفصلا بعنوان طراز من الناس في ج 3 ص 248. وأيضا يأتي مثلها في الآية 90 وما بعدها من سورة الإسراء، ونعطف على ما قدمناه ان هذه الآية تصور الطريقة التي يفكر بها الطغاة الذين تقوم حياتهم على استغلال الضعفاء واستعبادهم.. فلا الفطرة والعقل، ولا الحس والمشاهدة، ولا الخوارق والمعجزات، ولا شيء يغير من عتو الطغاة المستغلين وضراوتهم.. والدافع الأول والأخير هو إخلاصهم لوجودهم وكيانهم الذي يقوم على السلب والنهب.. ومع هذا يريدهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يعترفوا به وبالقرآن.. ولما ذا يعترفون؟. ألان الجبال تسير – بكتاب من السماء – بلا عجلات، وتكلمهم الأموات؟. ثم ما ذا؟. وأية جدوى لهم في ذلك، بل وفي رؤية اللَّه وجها لوجه؟. هل تزداد أرباحهم، وتكثر أموالهم؟. هذا هو تفكيرهم، وهذه هي اللغة التي يفهمونها ويصغون إليها، ولا يستمعون إلى غيرها.. لغة الكسب والربح الجنيه والدولار، اما الحق والعدل، أما المنطق والعقل فحديث خرافة يصدقه الأطفال، ويؤمن به الجهال.. وهل بعد هذا يسأل سائل: كيف لم يؤمن الطغاة بمحمد، ودعوته دعوة العدل والإحسان؟. وأي ذنب أعظم من هذه الدعوة التي تستأصل الظلم والفساد من الجذور؟. وأي عاقل يوقع بيده الحكم بإعدامه؟. بهذه الطريقة وحدها يفكر الذين تقوم حياتهم على السلب والنهب في كل زمان ومكان.. فكر بها أبو جهل وأبو سفيان في عهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ويستطرد الشيخ مغنية في تفسير الآية الرعد 31 قائلا:”أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَويَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً”. قال الطبري: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله تعالى: أفلم ييئس.. ثم قال: والصواب إن تأويل ذلك أفلم يتبين، ونقل هذا التفسير عن جماعة كثر، منهم الإمام علي عليه السلام. ونحن من الذين يؤمنون بأن أهل البيت أدرى بالذي فيه. ومهما يكن فإن المقصود بالذين آمنوا صحابة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) حيث تمنوا متلهفين ان يؤمن المشركون باللَّه ورسوله، فقال لهم جلت عظمته: إلى متى تطمعون في إيمان المشركين؟. ألم تعلموا و تتبينوا أنهم لا يؤمنون بحال حتى ولو كلمهم الموتى، وسارت الجبال؟. دعوهم وطغيانهم، ولوشاء اللَّه أن يلجئهم إلى الايمان لفعل، ولكن حكمته تعالى قضت بأن يترك الإنسان وما يختاره لنفسه حرصا على حريته وإنسانيته، ولوسلبه الحرية والإرادة لم يكن شيئا مذكورا، ولما استحق مدحا أوذما، ولا ثوابا أوعقابا.. انظر تفسيرنا لقوله تعالى: “ولَوشاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (هود 118). “ولا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوتَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ”. المراد بالذين كفروا من كذّب بنبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم، والمعنى انه تعالى لا يترك في الدنيا هؤلاء المكذبين من غير تأديب، بل ينزل عليهم الكوارث والبلايا الحين بعد الحين بسبب موقفهم من رسول اللَّه صلى الله عليه واله وسلم، أوينزل مصيبة من حولهم تملأ قلوبهم خوفا ورعبا، ويتابع ذلك حتى ينجز اللَّه وعده لنبيه بالنصر ” إِنَّ اللَّهً لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ “. كيف؟. ووعده أصدق الوعد، والصحابة وكل مؤمن على ثقة بأن اللَّه منجز وعده، وناصر جنده لا محالة..

من اقوال الامام الحسين عليه السلام (اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى)، و (إني لا أرى الموت إلاسعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)، (صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم). وجاء في موقع كتابات في الميزان عن هل يتمنّى المؤمنُ الموت؟ للكاتب شعيب العاملي: أما الحوراء زينب.. فقد رأت ما يفتُّ الصَّخر.. فصَبَرَت وتَحمَّلَت وأدَّت دورَها على أعظم ما يكون. لكنَّها تَمَنَّت قبل ذلك أنَّها ماتت دون أن ترى ما سيجري. فانتهت إلى الحسين عليه السلام ليلة العاشر وقالت له: وَا ثُكْلَاهْ لَيْتَ المَوْتَ أَعْدَمَنِي الحَيَاةَ، الْيَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ، وَأَبِي عَلِيٌّ، وَأَخِي الْحَسَن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here