الاطفال المعرضين للخطر ودور الأيواء

علياء الانصاري / خبيرة استشارية في قضايا حماية المرأة والطفل

الاطفال المعرضين للخطر، مصطلح يُطلق على كل طفل دون الثامنة عشر، دفعته الظروف (على أختلافها) الى ترك أسرته، فيخرج من أول بيئة المفترض ان تكون حماية له، الى بيئات أخرى (غير حامية) مثل الشارع.
وهؤلاء الاطفال في كل دول العالم، ومنها العراق، تكون مسؤولية حمايتهم من واجبات الدولة، لذلك لدينا في العراق دور للدولة اثنين في بغداد، واحدة للذكور وواحدة للإناث، اضافة الى دور الايتام والذين هم فاقدي الابوين احدهما أو كليهما.
في السنوات الأخيرة، أمست هذه الدور غير قادرة على استيعاب الاعداد الكبيرة لهذه الشريحة من الاطفال، فظهرت مساعي لبعض الاشخاص او الجهات سواء مدنية او دينية، في تأسيس دور لإيواء هؤلاء الاطفال.
قبل ثلاثة سنوات، كان لنا برنامج مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن هذه الدور)، حول تعديل قانون الاحداث فيما يتعلق بفئة المشردين والمشردات، حيث ان هذه الفئة لا يوجد هناك قانون ينظم احوالهم وامورهم في حالة تركهم لمنزل الاسرة، فكانت الفقرة 24 و 25 من قانون الاحداث تنظم احوالهم ضمن دور معينة تم انشائها تشرف عليها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كان جوهر تعديلنا ان هذه الشريحة هم ليسوا اطفال جانحين اي في نزاع مع القانون حتى يشملون بقانون الاحداث، بل هم اطفال اجبرتهم ظروف الحياة على ترك منازلهم، لذلك يجب ان يكون لهم قانون خاص بهم، يضمن لهم الحياة الكريمة، يوفر لهم بيئة آمنة سليمة للنمو عوضا عن بيئة الاسرة التي فقدوها، فكتبنا مقترح لتعديل قانون الاحداث، كما قدمنا نظام جديد تحت عنوان (تأهيل دور الدولة الخاصة بالأطفال المعرضين للخطر)، حيث استبدلنا كلمة المشردين والمشردات بالأطفال المعرضين للخطر، وهم كل فتى وفتاة دون الثامنة عشر من العمر.
استغرق العمل مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما يقارب العام النصف، تضمن جلسات حوارية وورش عمل وكتابة النظام الجديد بمعية نخبة من مستشاري مجلس شورى الدولة والخبير القانوني للوزارة، ضمن تلك الجلسات الحوارية، استضفنا عدة جهات ذات علاقة بالموضوع، وبحضور وكيلة وزير العمل الدكتورة عبير الجلبي آنذاك، وقد خضنا معهم نقاشات موسعة حول أهمية أن تكون هناك دور للإيواء في كل محافظة لازدياد حالات هروب هذه الشريحة وخاصة الفتيات من بيوتهن، وفي بعض الاحيان نتيجة التفكك الاسري وطلاق الوالدين يأتون بالأطفال الى هذه الدور لان كل الابوين قد تملص من مسؤوليته في التربية، حيث تذهب الام لتتزوج والاب ليتزوج ثانية تاركين الاطفال في مهب الريح.
في تلك الفترة، ومن تلك النقاشات، كنتُ متحمسة جدا لفكرة ان نعطي صلاحية لجهات اخرى غير الوزارة في فتح هذه الدور، كأن تكون منظمات المجتمع المدني او جهات دينية او مجتمعية أو حتى اشخاص متمكنين يريدون الاحسان لهذه الشريحة، فما المانع في ان نعطيهم صلاحية فتح هذه الدور وإنشائها، هذا الرأي كان يواجه برفض مسؤولي الوزارة وممثليها، ويصرون على ان في هذه الفكرة الكثير من المخاطر.
في النهاية كانت خلاصة النظام الجديد الذي كتبناه هو ان تتولى الوزارة فتح دور ايواء في كل محافظة، وتكون الحكومة المحلية مسؤولة عن الاشراف وادارة هذه الدور، مع فسحة للجهات او الاشخاص الراغبين بفتح هكذا نوع من الدور على شرط ان تكون بأشراف الوزارة نفسها ومراقبتها.
مازال هذا النظام ينتظر دوره للوصول الى مكتب الوزير، وفي خضم تشكيل الحكومة الجديدة وتغيير الوزير وحاشيته، بذلنا جهودا كبيرة للوصول الى الوزير الجديد لكي يوقع على هذا النظام ومن يثم يأخذ طريقه الى مجلس شورى الدولة ليتم إقراره بعد ذلك.. ومازالت مساعينا مستمرة في هذا الصدد.
ولكني الآن، لستُ أنا التي كنتُ قبل ثلاث سنوات.. فلو عاد الزمن بي الى ذلك الوقت حيث كنا نعقد الجلسات الحوارية والنقاشات الحامية مع اصحاب القرار، لأصررتُ على ان تكون الدولة وحدها من يحق لها فتح هكذا دور.
خلال الاشهر القليلة الماضية، اطلعتُ على بعض دور الايواء الخاصة (غير تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية)، ووجدت فيها العديد من الانتهاكات لحقوق الانسان وحقوق الطفل، ولا تشتمل على أدنى معايير الحماية. وقد يستبطن الاستغلال في صوره المختلفة، بعض هذه الدور بشكل خفي غير مرئي.
كما ان هذه الدور لا تخضع الى المتابعة والرقابة من أيّ جهة، ولا تخضع للمسائلة، ولا توجد لها أنظم إدارية مكتوبة و واضحة، بل تدار بعقلية شخص واحد ومزاجه الخاص، مع كوادر غير مؤهلة وغير مدربة، وفي الاعم الاغلب غير مناسبة للتواجد في هكذا بيئات إصلاحية وتأهيلية، مما يضاعف المخاطر التي يتعرض لها الاطفال والفتيات في تلك الدور.
ويبدو أني الآن فهمت لماذا كان مسؤولي وزارة العمل يرفضون الاعتراف بهكذا دور، وأضم صوتي إليهم.
إن حماية الاطفال الفاقدين للرعاية الابوية والاسرية، مسؤولية الدولة بالدرجة الاولى، ومن ثم المجتمع بالدرجة الثانية، والمدافعين عن حقوق الاطفال والفتيات بالدرجة الثالثة.
يبدو أننا نحتاج للعودة الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لنؤكد على أهمية تمشية النظام الجديد لإدارة دور الايواء للأطفال المعرضين للخطر، وحصر تلك الدور بيد الدولة، حتى وان كانت مؤسسات الدولة غير مؤهلة بشكل كافي لإدارة هذه الدور، فعلى الأقل هناك نظام متابعة ومراقبة ومحاسبة، وهناك آليات للشكاوى يمكن الاعتماد عليها حتى وان كانت ضعيفة.
كما ندعو كل الجهات المعنية بحقوق الانسان وحقوق الطفل من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، المنظمات الدولية والوطنية، الى تشكيل لجان متابعة ومراقبة لهذه الدور وزيارات مفاجئة ومتكررة لها، مع الحث والتأكيد على أهمية وجود انظمة ادارية مكتوبة وواضحة لتلك الدور، ووجود هيئات ادارية او هيئة امناء لتلك الدور، بحيث لا تُدار من قبل شخص واحد تكون مقاليد كل الامور بيده ومن بينها مصائر الاطفال والفتيات في تلك الدور.
نحتاج الى تسليط الضوء على هذا الملف الخطير في حقوق الانسان، هذا الملف المنسي، لأجل ترصين بيئات وأدوات حماية الاطفال والفتيات الصغيرات، وتعزيز تدابير الحماية كما يجب ان تكون ضمن منظومة حقوق الانسان لمن يعترف بها، أو مطابقة للحياة الكريمة في الاسلام لمن يعترف بالإسلام دينا ونهجا للحياة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here