بمناسبة عيد الربيع، الورد ومزاياه

بمناسبة عيد الربيع، الورد ومزاياه بقلم د. رضا العطار

يتضوع الشاعر الياباني أكاكورا مع ازهار بلده،، انه ينظر اليها وكأنها هي الدليل على ازدهار اليابان. فكان شغفه الروحي رعاية ما تنبته الارض من نبات جميل، مزدان بعمق الاحاسيس الأنسانية, انها حقا نبضاتُ عطف ورحمة، تنحدر من القلب الفياض للطبيعة، تتدفق وتصب في بحر العواطف رقيقة رقراقة، كرقة مياسم الزهور.

اننا نحب الزهور لانها تفيض علينا بفيض جمالها وما لها من اشكال وانواع والوان، ناهيك عن اريج عطرها الفواح، هكذا عشقها الأنسان وزاد من شغفه بها.

ان الأنسان عندما يترتفع في ادراكه النبيل عن ماديات الحياة, يغدو اعلى شأنا واسمى مقاما وارفع منزلة.

فالأزهار بالنسبة الينا كالصديق الحميم. فنحن عندما نأكل او نشرب او نغنّي او نرقص, تكون الأزهار من حولنا. وحينما نعشق, يأتي الحب عن طريقها. وعندما نتزوج يكون الورد زينة مجلس عرسنا، وعندما نجلس الى احبتنا تكون باقة الورد بيننا، ويوم ننال حظوة في حياتنا, نستقبل تهاني احبتنا ضمن باقة من الورد.

انها تلازمنا في افراحنا واتراحنا. وعندما يعترينا المرض, تكون الزهور في جانب سريرنا. وعندما نموت تزين الزهور نعشنا. وعندما يدسوننا في التراب, تتناثر الزهور فوق قبرنا، وعندما يأتي الحبيب لزيارتنا يجلب لنا بعضا منها. فلا مجال للشك في اننا يمكن ان نحيا بدونها ؟ . ومهما يكن ذلك مؤلما لنا فأن من العبث ان نتنكر فضلها. وبالرغم من اننا محاطون بالأزهار الا اننا لم نحاول يوما ان نستفيد من مغزاها الروحي – – –

والحقيقة الراسخة في كياننا هو اننا نشكو دوما من الجشع. ما من شئ مقّدس عندنا غير الذهب. فمن اجل الذهب ندمّر الدنيا وما فيها من كائنات وما عليها من خيرات، مثلما ندمر البيئة التي تمدنا بازاهير البرية، أجمل مظاهر زينة الوجود !

يا للفظاعة ان نرتكب كل هذه الحماقات في حق الطبيعة التي وهبتنا الحب والحياة.

فعن طريق باقات الورد والرياحين تعلّمنا كيف نتصالح ونتوافق ونتأخى ونتحابب.

ان رفيف وريقاتك الندية تنشد الأنغام الشجية مع اولى ساعات السحر، وتستقبل طلائع الورد رشفات نحل العسل مع شعاع نور النهار. كل هذا من اجلك انت ايها الأنسان.

ايتها الازهار، اليك سلامي. يا لك من رمز باهر في الحسن والحرية. انكِ تبهجين قلوب العاشقين وتزيلين هموم المنكوبين وتفرجين غم المكتأبين . يالك من روعة وجلال.

وفي هذا السياق الفني اقول معلقا : لقد كان الموسيقار الشهير بيتهوفن يطيل الجلوس تحت ظلال غابات فيينا، ساعات وساعات، صامتا صاغيا متأملا ! وحينما كان الناس يسألونه عن سّر هذا المكوث الطويل، يجيبهم : (اني استوحي الهاماتي النغمية من رفيف الشجيرات، من الجنابذ و الزهور، من الورد و الرياحين. انني ارهف السمع الى الهسهسات التي تحدثها حركة وريقاتها. انها رهيفة جدا. انها تطنطن في اذني. تحرك خلجات روحي و تطربها. فدنياها دنيا غبطة و سرور. اني اتلقّى الألحان منها كنوتات موسيقية اثبتها في دفتري).

هكذا كان الموسيقار العبقري بيتوفن قادرا على الدنو الى منبع الفن في الطبيعة. ثم انه كان يمتلك من القدرة الخارقة ما تمكنه من ان يترجم هذه ( الالحان ) من نغم يحدثه الشجر الى نغم يفهمه البشر، فيطرب اليه، فيه من السحر وحلاوة التأثير ما يبهج القلوب ويشرح الصدور.

ختاما اقول بان ارضنا الخضراء ارض طيبة يجب ان تكون مصانة من قبل ساكنيها، انها يجب ان تكون عشا جميلا آمنا لجميع ابناء البشر، تجمعهم حياة الالفة و الوئام، لذا عليهم ان يسموا عن المطامع المادية والمآرب الشخصية، يبتعدوا عن الاهواء والمباذل.

فالتأمل العميق في رؤية الزهور يقودنا الى صفاء الفكر ونقاء الخلق.

الزهور تعني النفس البيضاء التي ترتفع عن الدنس. انها تنشر في نفوسنا روح التلائم و التفاؤل والتناغم، تقاسمنا كل شئ الا في اهوائنا و ضعفنا وتعاستنا، انها معنا لتفهمنا وترحمنا، تهدينا الى رشدنا. فهي القدوة والنبراس.

*مقتبس من كتاب فن الادب لتوفيق الحكيم. مع اضافات لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here