في أزمنة المحن و المآسي يتذكر المرء متحدثا مع نفسه :
حينما تعلمت من هؤلاء : إن الكاتب يمكن أن يكون رسول الحق وضمير العالم الحيّ النابض ..
بقلم مهدي قاسم
حسب تصوري و اعتقادي إنه يفترض بالكاتب النشط أن يكون ــ بشكل من الأشكل رسول الحق و ضمير العالم الحي النابض في وجه المظالم و التوحش البربري ، ولكن بشرط أن يصبح بمنأى عن الادلجة المقولبة ، كذلك عن قيود الانحياز السياسي المباشر ، كما لو كان يخدم فئة معينة فقط ..
ففي النهاية ، إن الكاتب ذا الهواجس المستنفرة ، يُعتبر صاحب قضية على نحو ما ، و أن لم ينتمِِ لأية جهة أو طرف كان ، ما عدا الإنسانية بمفهومها العام :
أي مناصرا أبديا لقضية الدفاع عن الإنسان ــأي كان معتقده و انتماؤه العرقي أو الديني ـــ الذي يتعرض لشتى انواع الظلم و القتل و إهدار الكرامة الآدمية و معاناة الظروف المادية كالفقر والفاقة ، و الملاحقات السياسية و الأقلوية ذات طابع قمعي أو إبادة جماعية ..
استطيع القول إنني اكتسبتُ هذا التصور أو اليقين من تجارب كّتاب عالميين كدستويفسكي ، الروائي الفرنسي أميل زولا ” أثناء دفاعه عن الضابط دريفوس الذي اتُهم ظلما بالتجسس ” أندريه مالرو ، سارتر ، همنغواي ، بابلو نيرودا ، كامو ، غارسيا لوركا ، الكاتب المسرحي التشيكي فاتسلاف هافل ، الروائية التشيلية إيزابيل الليندي ، جورج أورويل ، و غيرهم أيضا ..
خطرت على بالي هذه الأفكار مؤخرا ، بدهشة و استغراب ، اثناء تأملي بوحشية العالم مفرطة القسوة و المنفلتة إلى اقصى حد من البربرية المطلقة ، بينما الكاتب ــ اي كاتب كان ــ في العالم يتفرج بلا مبالاة و عدم اكتراث ــ ربما شعورا منه بعدم جدوى إطلاق صيحة احتجاج واستنكار ـــ أي على عكس من هؤلاء الكتاب آنفي الذكر الذين كانوا يتصدون لمثل هذه الوحشية سواء بأصواتهم أو بأقلامهم أم بمشاركة مباشرة ، و لكن بروح عالية لا تعرف المهادنة أو المساومة على حساب المواقف المبدئية ..