كامل سلمان
هناك خفايا كثيرة في الصراعات التي تحدث في المنطقة وأول هذه الخفايا عدم قدرة قيادات وشعوب المنطقة على فهم شخصية وعقلية الإنسان الغربي سواءً كان أوربي أو أمريكي أو حتى إسرائيلي وبنفس الوقت القدرة الإستثنائية الدقيقة عند الإنسان الغربي لفهم شخصية وعقلية الإنسان الشرقي لأنهم ببساطة يدرسون كل صغيرة وكبيرة تخص حياة مجتمعاتنا دراسة علمية دقيقة ، فمن المفارقات الغريبة في أختلاف الرؤى عند الجهتين . الإنسان في مجتمعاتنا على مستوى القيادة كان أو الإنسان العادي عندما يدخل في صراع مع الطرف الأخر يحاول أن يظهر قسوة مفرطة ليرسل رسالة إلى الطرف الأخر مفادها بأنه لا يخشى عواقب الأمور وأنه جريء وشجاع وقادر على فعل أي شيء ، هذا التصرف هو في حقيقة الأمر تصرف مصطنع هدفه زرع الرعب والخوف في قلب الطرف الأخر وتنتهي هذه القسوة مفعولها مع إنتهاء الصراع وبدأ المصالحة فتظهر بعدها شخصيته الحقيقية الناعمة العطوفة التي تبكي عند سماع الأبوذيات والأغاني الحزينة لأن البيئة الشرقية هي بيئة عاطفية بالأساس ، الغرب درسوا الشخصية الحقيقية والشخصية المصطنعة عند مجتمعاتنا وعرفوا كيف يتعاملون مع كل شخصية على حده ، بينما لو ذهبنا إلى طبيعة الشخصية الغربية التي مازال غالبيتنا يجهلها سنجدها تماماً تختلف عما موجود في مجتمعاتنا ، فالشخصية الغربية تحاول أن تجعل القوانين هي التي تتحكم بشخصيّته ، حتى السلوك الأخلاقي تخضع لهذه القوانين ، فالقوانين تجبره أن يبتسم بوجهك والقوانين تجبره أن يتعامل معك بأحترام وعاطفة وإنسانية ، أما شخصية الإنسان الغربي الحقيقية خارج ضغط القوانين هي شخصية قاسية جداً ، فالذي يقود حياة المجتمع على المدى البعيد هي الشخصية الحقيقية وليست الشخصية المصطنعة ، وبما أن سكان الغرب عرفوا بطبيعتهم القاسية عمدوا إلى جعل الحياة تقودها القوانين ولا تقودها النوازع الخاصة كي يضيفوا للحياة جمالية وألفة فجعلوا لحقوق الإنسان قوانين ولحقوق المرأة قوانين والطفل وحقوق الحيوان ووضعوا لكل شيء قوانين كي يقطعوا الطريق أمام النوازع الشخصية ، لذلك تجد عندهم القوانين حدية لا ترحم ولا تسامح نظراً لمعرفتهم بجذور الإنسان الغربي القاسية . هذه الحقيقة لا يفهمها قادة وشعوب دول المنطقة فيعتقدون بأنهم يعاملون الغرب بما ظهر منهم فحين يتعاملون بالقسوة مع الغرب يعتقدون بأنهم سيدفعون الغرب إلى الخوف والتراجع لأن المجتمع الغربي مجتمع يخاف على حياة الإنسان وحقوق الإنسان ، بينما الواقع هو العكس فعندما تفرض القسوة عليهم تتفاجأ بردة فعل أقسى ويصبون جام غضبهم على هذا الذي جاءهم بالقسوة ، هذا الفهم الخاطىء أوقع قيادات دول المنطقة بأخطاء تأريخية وتورطوا ولم يعودوا قادرين على التخلص من هذه الورطة ، لأنهم لم يكونوا يتصورون مدى قساوة الغرب ، فكان يوم السابع من أكتوبر مثلاً الذي أظهرت فيه حماس قسوة مفرطة ضد الإسرائيلين كان يوماً شاهداً على هذا الخطأ الكبير ، ماذا كانت النتيجة ؟ النتيجة كانت فرصة لتحرر الإسرائيليين ومن يدعمهم قليلاً من القوانين الأخلاقية التي فرضوها على أنفسهم وليظهروا قسوتهم ليذيقوا حماس ومن يقف خلف حماس المرارات ولولا رحمة القوانين الإنسانية التي هم وضعوها وفرضوها على أنفسهم لأبادوا مدناً وبلدات بدم بارد خاصة وإنهم يمتلكون من السلاح المدمر مالا يجاريهم به أحدا ، لو أي شخص يطلّع على أحداث الحرب العالمية الثانية في أوربا التي راح ضحيتها حوالي خمسين مليون إنساناً ويقرأ بتمعن درجات القسوة التي كانت تمارس بين الأطراف المتحاربة في العالم الغربي لأقسم بالله ألف مرة أن لا يتورط مع الغرب ، وقد تكون ضربة هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية أثناء الحرب العالمية الثانية مجرد بداية فلو أستمرت اليابان في عنادها ولم تستسلم لكانت اليابان قد محيت من الجغرافية ، فهل حماس وإيران والحوثي مجانين ليتعاملوا بالقسوة وإظهار القسوة مع الغرب ؟ جميع القوانين الإنسانية والمنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية بقوانينها الجميلة اللطيفة جميعها تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية من قبل دول العالم الغربي ، والغرب هو من أسسها بعد أن ذاقوا ويلات الحروب وبشاعة الجرائم التي تصاحب الحروب بسبب قساوة الأطراف المتنازعة وخلو الرحمة من قلوبهم فهم قد أدركوا من خلال تلك الحروب بأن القسوة قد تنهي الحياة على الأرض لذلك فرضوا تلك القوانين للحفاظ على وجود البشر وكرامة البشر ، بهذا الشكل يجب فهم العالم الغربي العنيد جداً والقاسي جداً أن حاولت إيذاءهم ، هذه واحدة من الأشياء التي حان الوقت لمعرفتها قبل أن تقع قيادات المنطقة في الخطأ الكبير ، لغة العنتريات والتهديدات أضحت لغة منتهية الصلاحية ، فالمطلوب هي اللغة الدبلوماسية والقبول بالحوارات فهم أصبحوا يعرفون عنك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك ، فهم يعرفون من أنت وماذا تملك وما هي مقدرتك فهل تريد خداعهم بالأوهام والأكاذيب والتضليل لتخيفهم بما لا تملك ؟ أظن هذا جانب مهم جداً حري على شعوب وقيادات المنطقة التي تريد أن تجرب حظها من جديد في مواجهة العالم الغربي معرفتها بدل التلويح بالعصا الغليظة ، عسى أن تنفعهم المعلومة الصحيحة ولا تخدعهم تخيلاتهم وأوهامهم وعواطفهم ويتوقفوا عن الاستعراضات والتخويف واللعب مع الموت لئلا يريهم الزمان مالم يكن في الحسبان فيصبحوا نادمين ! وما قيمة الندم بعد حين .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط